للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِمَّا زَرَعَهُ إلَّا بَعْضُ خَرَاجِ الْأَرْضِ فَأَلْجَأَهُ ذَلِكَ إلَى عَدَمِ الزَّرْعِ بِسَبَبِ سُوءِ تَصَرُّفِهِمْ.

حَتَّى كَأَنَّ مَالَهُ عِنْدَهُمْ حَلَالٌ يَصْرِفُونَ فِيهِ، وَبَعْضُهُمْ يُبَالِغُ فِي الْأَذِيَّةِ حَتَّى إنَّهُمْ لَيَقْتُلُونَ الْبَهَائِمَ الَّتِي لَهُ مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ لِأَخْذِهِمْ مَا أَرُصِدَ لَهَا مِنْ الْعَلَفِ فَوَقَعَ الْفَسَادُ.

مِنْ الْفَرِيقَيْنِ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ.

[فَصْلٌ فِي الْغِرَاسَةِ]

(فَصْلٌ)

وَأَمَّا الْغِرَاسَةُ فَهِيَ أَخَفُّ مِنْ الْفِلَاحَةِ غَالِبًا أَعْنِي فِي سَلَامَةِ مَنْ يَتَعَاطَاهَا مِنْ الذُّلِّ وَالْإِهَانَةِ مِمَّا يَجْرِي عَلَى الْفَلَّاحِينَ وَهِيَ أَنْجَحُ فِي حَقِّ مَنْ يُحْسِنُهَا.

لَكِنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى عِلْمٍ بِهَا وَعِلْمٍ فِيهَا.

فَأَمَّا الْعِلْمُ بِهَا فَهُوَ الْعِلْمُ بِصِنَاعَةِ الْغِرَاسَةِ وَمَا يُصْلِحُهَا وَمَا يُفْسِدُهَا.

وَأَمَّا الْعِلْمُ فِيهَا فَهُوَ تَعَلُّمُ لِسَانِ الْعِلْمِ وَمَا يَجُوزُ مِنْهَا وَمَا يَحْرُمُ وَمَا يُكْرَهُ وَمَا يُبَاحُ سِيَّمَا فِي الْمُسَاقَاةِ إذْ إنَّ لَهَا أَرْكَانًا وَشُرُوطًا لَا تَصِحُّ إلَّا بِهَا وَقَدْ كَثُرَتْ الْمُفَاسَدَةُ فِيهَا لِأَجْلِ مَا اعْتَادَهُ بَعْضُ النَّاسِ فِيهَا.

وَيَتَعَيَّنُ فِي حَقِّهِ أَنْ لَا يَسْلُكَ بِنْيَاتِ الطَّرِيقِ بَلْ يَمْشِي عَلَى جَادَّةِ الْأَمْرِ الْوَاضِحِ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَيَتْرُكُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِهِ مِنْ الرُّكُونِ إلَى الْخِلَافِ الضَّعِيفِ وَالْمَشْيِ عَلَى الْقَنَاطِرِ الَّتِي اصْطَلَحَ عَلَيْهَا بَعْضُ النَّاسِ حَتَّى آلَ أَمْرُهُمْ فِيهَا إلَى أَنْ يَبِيعُوا الثَّمَرَةَ إلَى سِنِينَ وَيَعْتَلُّونَ بِأَنَّهَا مُسَاقَاةٌ، وَالْمُسَاقَاةُ فِي الشَّرْعِ لَهَا شُرُوطٌ وَأَرْكَانٌ وَلَا شَيْءَ مِنْهَا مَوْجُودٌ إلَّا بِاللَّفْظِ الظَّاهِرِ لَيْسَ إلَّا، وَلَا حَقِيقَةَ لِذَلِكَ فِي الْبَاطِنِ إذْ إنَّهُمْ إنَّمَا دَخَلُوا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الْمُسَاقِي الثَّمَرَةَ كُلَّهَا فِي تِلْكَ السِّنِينَ.

وَصِفَةُ مَا يَزْعُمُونَ أَنَّهَا مُسَاقَاةٌ جَائِزَةٌ أَنْ يُسَاقِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى مِائَةِ جُزْءٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ مِنْهَا لِلْمُسَاقِي وَجُزْءٌ وَاحِدٌ لِلْمُسَاقَاةِ ثُمَّ يَهَبُهُ بَعْدَ ذَلِكَ جُزْءًا.

فَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ دَخَلُوا عَلَى أَنَّ الْكُلَّ لِلْمُسَاقِي وَهَذَا بَيْعٌ لِلثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا لَكِنَّ فِعْلَهُمْ ذَلِكَ فِي الْوَقْفِ أَشَدُّ فِي التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ الَّذِي يَهَبُهُ لِلْمُسَاقِي عَلَى غَيْرِ عِوَضٍ لَا يَجُوزُ فِي الْوَقْفِ وَهَذِهِ الْقَنَاطِرُ وَمَا أَشْبَهَهَا عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَنْ تَبِعَهُ لَا عِبْرَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>