للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللغة المتكلمة يفرض تأثيره المباشر على هذه النشاطات، وإن كان هذا الزعم ما يزال محل خلاف كبير١.

ومهما يكن من شيء فلا شك أن اللغة تشكل جزءا من الوعي الثقافي للجماعة، وهي تعد واحدة من أقدم المظاهر لهذا الوعي. وإن التمييز بين جماعة وأخرى ليؤسس غالبا -على الأقل من الناحية الظاهرية- على اللغة.

إذا كنت تتكلم لغتي فأنت تنتسب إلى مجموعتي، أما إذا اختلفت لغتك عن لغتي فأنت تنتمي إلى جماعة أخرى غير جماعتي، ونحن نتصرف على هذا الأساس, ومن ثم فاللغة في الغالب مفتاح لسلوك الجماعة، وتسمح بالتنبؤ بمشكلة رد فعل الجماعة تجاه المواقف المتنوعة. وإن عالم اللغة الجغرافي ليتعلم منذ البداية أن تجاهل العامل اللغوي في أي صورة من صور العلاقات الثقافية المتبادلة يعد خطأ كبيرا، وأن هناك شيئا واحدا لا بد أن يأخذه في اعتباره فوق كل الأشياء -إلى جانب المعتقدات الدينية- وهو لغة الجماعة التي يدرسها.

وحينما ننتقل من الحضارات المتخلفة إلى الحضارات المتقدمة يصبح العامل اللغوي في الثقافة أكثر أهمية، ما دامت اللغة -وبخاصة في صورتها المكتوبة- تقوم بدور الأداة أو الواسطة للثقافة، بمعنييها الأنثروبولوجي والتقليدي.

وعند هذه النقطة لا بد أن يؤخذ في الاعتبار، ليس فقط اللغة أو الثقافة الأولى للجماعة التي ندرسها، ولكن أيضا العوامل اللغوية الثقافية من الدرجة الثانية أو الثالثة، وإن من الأمم ما يتمتع بحضارة عالية، وينعم بثقافة خصبة خاصة به، ومع ذلك يتعرض للوقوع تحت تأثير تيار ثقافي أجنبي. ومن ذلك ما عرف عن كثير من الأمم الأوربية خلال القرون السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر، من أنها كانت واقعة تحت تأثير التيار الثقافي الفرنسي. وقد


١ انظر Whorf في كتابه Language, Thought and Reality المطبوع في لندن عام ١٩٥٦ بتحقيق: J.B. Carroll.

<<  <   >  >>