للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والاهتمام بنوع معين من اللغات دون الأنواع الأخرى, ولكن علماء اللغة الوسيطين يمكن أن يلتمس لهم العذر فيما وقعوا فيه من أخطاء منهجية، على ضوء ما نعرفه عنهم من جهل بجميع اللغات التي لا تتصل بالمجموعة الهندية الأوربية، أو بمجموعة شبيهة من الناحية التركيبية، مثل المجموعة السامية التي تتضمن ضمن ما تتضمن اللغتين العربية والعبرية، وهما لغتان كانتا معروفتين إلى حد معقول لدى علماء أوروبا في العصر الوسيط.

ولكن باتساع المجال الأوربي أولا نتيجة للحروب الصليبية، وثانيا بسبب الرحلات والاكتشافات والريادات الجغرافية، أخذت النافذة تتسع لتطل على لغات أخرى جديدة غريبة، شرقية قصية، وإفريقية، وهندية أمريكية، وهي لغات لا يصلح لها تطبيق المعايير النحوية القديمة الشائعة إلا بالإكراه، كما يكره وتد مربع ليدخل في ثقب مستدير.

وإنه لمن الصعب أن نحدد بالدقة متى بدأ الشعور- خلال عصر النهضة- يتسرب إلى عقول العلماء بأن هذه اللغات المكتشفة حديثا لا تتفق قواعدها وأسسها مع نظرية النحو العالمي، على الأقل بالطريقة التي وصلتنا. وعلى كل حال فقد بدأت محاولات كثيرة لوضع نحو وصفي لبعض اللغات الحديثة والقديمة على السواء, وبدأت تظهر مناقشات وخلافات كان يشوهها في الغالب جهل العلماء بالحقائق المتعلقة بتصنيف اللغات وقراباتها اللغوية, وبدأت كذلك مناقشات تتعلق بمستوى الصواب اللغوي، وبمشكلة انقسام اللغة إلى لهجات، ومشكلة اللهجات الطبقية.

وإنه لمن الأهمية بمكان أن نقول: إن البحث والدرس وإن ظلا يعانيان من اضطراب المنهج وخطأ المقدمات فقد حققا في هذه الفترة تقدما ملموسا سار في عدة اتجاهات, لقد كان عقل عصر النهضة عقلا فاحصا, لقد أراد أن يعيش التجربة ويقيم الدليل، ويعرف كل شيء، ويبعد -بقدر الإمكان- عن عقلية العصر الوسيط التي كانت تتسم بالغيبية المطلقة، وتخلع صفة الأزلية

<<  <   >  >>