للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَمِينِي، ثُمَّ أَتَيْت الَّذِي هُوَ خَيْرٌ"، انْتَهَى. وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَهَذَا فِي "الْبُخَارِيِّ" ١ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ إذَا حَلَفَ، إلَى آخِرِهِ، بِتَقْدِيمِ الْحِنْثِ، وَعَطْفِ الْكَفَّارَةِ بِالْوَاوِ.

وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" ٢ عَنْهَا أَنَّ عَبْدًا لَهَا اسْتَعْتَقَهَا، فَقَالَتْ: لَا أَعْتَقَهَا اللَّهُ مِنْ النَّارِ إنْ أَعْتَقَتْهُ، فَمَكَثَتْ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ قَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ! سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَى خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ لِيَفْعَلْ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ"، فَأَعْتَقَتْ الْعَبْدَ، ثُمَّ كَفَّرَتْ عَنْ يَمِينِهَا"، انْتَهَى. وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهَا قَدَّمَتْ الْحِنْثَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَاجَعَ مِنْ نُسْخَةٍ أُخْرَى، وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُعَارَضَةٌ بِحَدِيثِ تَقْدِيمِ الْحِنْثِ، مَعَ الْعَطْفِ بِثُمَّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، أَوْ يُقَالُ: إنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ تَقْتَضِي وُجُوبَ تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَعَجِبْت مِنْ الْبُخَارِيِّ ٣ كَيْفَ تَرْجَمَ فِي كِتَابِهِ "بَابَ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ"، فَذَكَرَ فِيهَا حَدِيثَ أَبِي مُوسَى بِلَفْظِ: إنِّي لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إلَّا أَتَيْت الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَتَحَلَّلْتهَا، وَحَدِيثَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ بِلَفْظِ: فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِك، وَكِلَاهُمَا غَيْرُ مُطَابِقٍ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عِنْدَهُ فِي الْحَدِيثَيْنِ، فَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يُشِيرَ إلَيْهَا فِي "التَّرْجَمَةِ".

فائدة أخرى: وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مُوسَى إنِّي لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ أَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إلَّا أَتَيْت الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْكَفَّارَةِ، وَكَذَا فِيهِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، ثُمَّ رَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى أَحَادِيثِ الْكَفَّارَةِ، ولكن وَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد ٤ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: " وَمَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيَدَعْهَا، وَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، فَإِنَّ تَرْكَهَا كَفَّارَتُهَا"، مُخْتَصَرٌ. قَالَ أَبُو دَاوُد: الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا: " وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ، إلَّا مَا لَا يُعْبَأُ بِهِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: إنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ، قَالَ: وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوُهُ، وَلَمْ يَثْبُتْ أَيْضًا، انْتَهَى.


١ عند البخاري في "أوائل كتاب الأيمان والنذور" ص ٩٨٠ - ج ٢.
٢ وأخرجه الهيثمي في "مجمع الزوائد" ص ١٨٥ - ج ٤، كما في التخريج، وقال: رواه الطبراني في "الكبير" ورجاله ثقات، إلا أن عبد الله بن حسن لم يسمع من أم سلمة، انتهى.
٣ قلت: غرض المخرج من هذا الكلام النقد على الإمام البخاري، فإنه عقد ترجمة "باب الكفارة قبل الحنث وبعده" وأورد فيها حديث أبي موسى بلفظ: إلا أتيت الذي هو خير، وتحللتها: ص ٩٩٤ - ج ٢، وحديث عبد الرحمن بن سمرة بلفظ: فأت الذي هو خير، وكفر عن يمينك: ص ٩٩٥ - ج ٢، ولم يشر فيها إلى حديث أبي موسى المذكور قبيل هذا الباب: ص ٩٩٤ - ج ٢، بلفظ: إلا كفرت عن يميني، وأتيت الذي هو خير، وحديث عبد الرحمن بن سمرة المذكور في مبدأ "كتاب الأيمان والنذور" ص ٩٨٠ - ج ٢، وكان ينبغي أن يشير إليهما تحت هذه الترجمة للتطبيق، والله أعلم.
٤ "باب الحالف يستثني بعد ما يتكلم" ص ١١٦ - ج ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>