للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَهْلِ الْحَدِيثِ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ شُعْبَةَ مِنْ أَجْلِ هَذَا الْحَدِيثِ١ انْتَهَى. وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: يُخَافُ أَنْ لَا يَكُونَ مَحْفُوظًا، وَأَبُو سَلَمَةَ حَافِظٌ، وَكَذَلِكَ أَبُو الزُّبَيْرِ، وَلَا يُعَارَضُ حَدِيثُهُمَا بِحَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَسُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَقَالَ يَحْيَى: لَمْ يُحَدِّثْ بِهِ إلَّا عَبْدُ الْمَلِكِ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْ عَطَاءٍ غَيْرُ عَبْدِ الْمَلِكِ، تَفَرَّدَ بِهِ، وَيُرْوَى عَنْ جَابِرٍ خِلَافُ هَذَا، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَاعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رِوَايَةِ جَابِرٍ الْمَشْهُورَةِ، وَهِيَ الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ، فَإِنَّ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ إذَا كَانَ طَرِيقُهَا وَاحِدًا، وَحَدِيثُ جَابِرٍ الْمَشْهُورُ لَمْ يُنْفَ فِيهِ اسْتِحْقَاقُ الشُّفْعَةِ، إلَّا بِشَرْطِ تَصَرُّفِ الطُّرُقِ، فَيَقُولُ: إذَا اشْتَرَطَ الْجَارَانِ فِي الْمَنَافِعِ، كَالْبِئْرِ، أَوْ السَّطْحِ، أَوْ الطَّرِيقِ، فَالْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِ جَارِهِ، لِحَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَإِذَا لَمْ يَشْتَرِكَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَنَافِعِ، فَلَا شُفْعَةَ لِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمَشْهُورِ، وَطَعْنُ شُعْبَةَ فِي عَبْدِ الْمَلِكِ بِسَبَبِ هَذَا الْحَدِيثِ، لَا يَقْدَحُ فِيهِ، فَإِنَّهُ ثِقَةٌ، وَشُعْبَةُ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْحُذَّاقِ فِي الْفِقْهِ، لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، إذَا ظَهَرَ تَعَارُضُهَا، إنَّمَا كَانَ حَافِظًا، وَغَيْرُ شُعْبَةَ إنَّمَا طَعَنَ فِيهِ تَبَعًا لِشُعْبَةَ، وَقَدْ احْتَجَّ بِعَبْدِ الْمَلِكِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَا إنَّمَا لَمْ يُخَرِّجَا حَدِيثَهُ هَذَا لِتَفَرُّدِهِ بِهِ، وَإِنْكَارِ الْأَئِمَّةِ عَلَيْهِ فِيهِ، وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ رَأْيًا لِعَطَاءٍ، أَدْرَجَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْحَدِيثِ، وَوَثَّقَهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَالْعِجْلِيُّ، وَقَالَ الْخَطِيبُ: لَقَدْ أَسَاءَ شُعْبَةُ، حَيْثُ حَدَّثَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ، وَتَرَكَ التَّحْدِيثَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، فَإِنَّ الْعَرْزَمِيَّ لَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْأَثَرِ فِي سُقُوطِ روايته، وعبد الملك ثناءهم عَلَيْهِ مُسْتَفِيضٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.

الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ"، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا سَقَبُهُ؟ قَالَ: "شُفْعَتُهُ"، وَيُرْوَى: أَحَقُّ بِشُفْعَتِهِ،

قُلْتُ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ٢ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ"، انْتَهَى.

وَقَوْلُهُ: وَيُرْوَى: أَحَقُّ بِشُفْعَتِهِ، تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ: الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَتِهِ يُنْتَظَرُ بِهَا، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا، الْحَدِيثَ، وَبِالرِّوَايَتَيْنِ رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْجَارُ


١ وقال الترمذي بعد هذا: وروي عن ابن المبارك عن سفيان الثوري، قال: عبد الملك بن أبي سليمان ميزان يعني في العلم انتهى.
٢ عند البخاري في البيوع في الشفعة ص ٣٠٠ ج ٢، وعند النسائي أيضاً في الشفعة ص ٢٣٤ ج ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>