للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَنَّهُ قَال: جَاءَ الْيَهُودُ إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلاً مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ وَلأَِنَّ الْجِنَايَةَ بِالزِّنَى اسْتَوَتْ مِنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ، فَيَجِبُ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي الْحَدِّ. وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الذِّمِّيَّانِ مُحْصَنَيْنِ. وَحَدُّهُمَا الرَّجْمُ إِذَا زَنَيَا فَبِالأَْوْلَى إِذَا كَانَتِ الذِّمِّيَّةُ زَوْجَةً لِمُسْلِمٍ (١) .

وَجَعَل مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ الإِْسْلاَمَ شَرْطًا مِنْ شُرُوطِ الإِْحْصَانِ، فَلاَ يَكُونُ الْكَافِرُ مُحْصَنًا، وَلاَ تُحْصِنُ الذِّمِّيَّةُ مُسْلِمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لأَِنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ لَمَّا أَرَادَ الزَّوَاجَ مِنْ يَهُودِيَّةٍ نَهَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَال: إِنَّهَا لاَ تُحْصِنُكَ (٢) ، وَلأَِنَّهُ إِحْصَانٌ مِنْ شَرْطِهِ الْحُرِّيَّةُ فَكَانَ الإِْسْلاَمُ شَرْطًا فِيهِ كَإِحْصَانِ الْقَذْفِ. وَعَلَى هَذَا فَالْمُسْلِمُ الْمُتَزَوِّجُ مِنْ كِتَابِيَّةٍ إِذَا زَنَى يُرْجَمُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَلاَ يُرْجَمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لأَِنَّهُ لاَ يُعْتَبَرُ مُحْصَنًا؛ لأَِنَّ الْكِتَابِيَّةَ عِنْدَهُ لاَ تُحْصِنُ الْمُسْلِمَ. وَنَظَرًا لأَِنَّ مَالِكًا - وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَوَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - لاَ يَعْتَبِرُ تَوَفُّرَ شُرُوطِ الإِْحْصَانِ فِي الزَّوْجَيْنِ فَقَدْ قَال بِرَأْيِ الْجُمْهُورِ: أَنَّ الذِّمِّيَّةَ تُحْصِنُ الْمُسْلِمَ، وَيَسْتَحِقُّ الرَّجْمَ إِذَا زَنَى (٣) .

أَمَّا وُجُودُ الْكَمَال فِي الطَّرَفَيْنِ بِمَعْنَى وُجُودِ شُرُوطِ الإِْحْصَانِ فِي الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ حَال الْوَطْءِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الإِْحْصَانُ فَيَرَى أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ - وَهُوَ رَأْيٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - أَنَّ هَذَا مِنْ شُرُوطِ الإِْحْصَانِ، فَيَطَأُ مَثَلاً الرَّجُل الْعَاقِل امْرَأَةً عَاقِلَةً. وَإِذَا لَمْ تَتَوَفَّرْ هَذِهِ الشُّرُوطُ فِي أَحَدِهِمَا فَهُمَا غَيْرُ مُحْصَنَيْنِ.


(١) الشرح الكبير ٤ / ٢٨٤، والمغني ١٠ / ١٢٩
(٢) قال الدارقطني فيه أبو بكر بن مريم ضعيف (٣ / ١٤٨)
(٣) المنتقى شرح الموطأ ٣ / ٣٣١