للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الَّتِي فَرَضْتُهَا عَلَيْكَ، كَمَا يَدُل عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {قُمِ اللَّيْل إِلاَّ قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} (١) . قَال الطَّبَرِيُّ: " خَيَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى حِينَ فَرَضَ عَلَيْهِ قِيَامَ اللَّيْل بَيْنَ هَذِهِ الْمَنَازِل ". وَيُعَضِّدُ هَذَا وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الأَْوْسَطِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: ثَلاَثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرَائِضُ وَلَكُمْ سُنَّةٌ، الْوِتْرُ وَالسِّوَاكُ وَقِيَامُ اللَّيْل (٢) . وَذَهَبَ مُجَاهِدُ بْنُ جَبْرٍ إِلَى أَنَّ قِيَامَ اللَّيْل لَيْسَ بِفَرْضٍ عَلَى، رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَل هُوَ نَافِلَةٌ، وَإِنَّمَا قَال اللَّهُ تَعَالَى: {نَافِلَةً لَكَ} مِنْ أَجْل أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَمَا عَمِل مَنْ عَمَلٍ سِوَى الْمَكْتُوبَةِ فَهُوَ نَافِلَةٌ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَعْمَل ذَلِكَ فِي كَفَّارَةِ الذُّنُوبِ، فَهِيَ نَافِلَةٌ وَزِيَادَةٌ، وَالنَّاسُ يَعْمَلُونَ مَا سِوَى الْمَكْتُوبَةِ لِتَكْفِيرِ ذُنُوبِهِمْ فَلَيْسَ لِلنَّاسِ - فِي الْحَقِيقَةِ - نَوَافِل.

وَتَبِعَ مُجَاهِدًا جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، مِنْهُمُ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ الآْخَرِ، فَقَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ وُجُوبَ قِيَامِ اللَّيْل قَدْ نُسِخَ فِي حَقِّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا نُسِخَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ. وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَمْسُ صَلَوَاتٍ فَرَضَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ (٣) ، خَاصَّةً أَنَّ الآْيَةَ مُحْتَمِلَةٌ، وَالْحَدِيثُ


(١) سورة المزمل / ٢ - ٤
(٢) حديث عائشة رضي الله عنها: " ثلاث هن على فرائض. . " قال عنه ابن حجر في تلخيص الحبير ٣ / ١٢٠: ضعيف جدا، لأنه من رواية مرسى بن عبد الرحمن الصنعاني عن هشام عن أبيه.
(٣) حديث: " خمس صلوات " أخرجه البخاري ومسلم في كتاب الإيمان، والترمذي في تفسير سورة سبأ، والنسائي في الصلاة.