للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَاسْتَأْنَسُوا لِذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ مِنْ مِثْل قَوْل الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: لَقَدْ نَفَعَ اللَّهُ بِاخْتِلاَفِ أَصْحَابِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَعْمَالِهِمْ، لاَ يَعْمَل الْعَامِل بِعَمَل رَجُلٍ مِنْهُمْ إِلاَّ رَأَى أَنَّهُ فِي سَعَةٍ، وَرَأَى أَنَّ خَيْرًا مِنْهُ قَدْ عَمِلَهُ.

وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: مَا أُحِبُّ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُول اللَّهِ لَمْ يَخْتَلِفُوا؛ لأَِنَّهُ لَوْ كَانَ قَوْلاً وَاحِدًا كَانَ النَّاسُ فِي ضِيقٍ، وَأَنَّهُمْ أَئِمَّةٌ يُقْتَدَى بِهِمْ، فَلَوْ أَخَذَ أَحَدٌ بِقَوْل رَجُلٍ مِنْهُمْ كَانَ فِي سَعَةٍ.

وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَال: اخْتِلاَفُ أَهْل الْعِلْمِ تَوْسِعَةٌ، وَمَا بَرِحَ الْمُفْتُونَ يَخْتَلِفُونَ، فَيُحَلِّل هَذَا وَيُحَرِّمُ هَذَا، فَلاَ يَعِيبُ هَذَا عَلَى هَذَا، وَلاَ هَذَا عَلَى هَذَا (١) .

وَقَال ابْنُ عَابِدِينَ: الاِخْتِلاَفُ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْفُرُوعِ - لاَ مُطْلَقِ الاِخْتِلاَفِ - مِنْ آثَارِ الرَّحْمَةِ فَإِنَّ اخْتِلاَفَهُمْ تَوْسِعَةٌ لِلنَّاسِ. قَال: فَمَهْمَا كَانَ الاِخْتِلاَفُ أَكْثَرَ كَانَتِ الرَّحْمَةُ أَوْفَرَ (٢) .

وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ لَيْسَتْ مُتَّفَقًا عَلَيْهَا، فَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَال. لَيْسَ فِي اخْتِلاَفِ أَصْحَابِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعَةٌ، وَإِنَّمَا الْحَقُّ فِي وَاحِدٍ (٣) . وَقَال الْمُزَنِيُّ صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ: ذَمَّ اللَّهُ الاِخْتِلاَفَ وَأَمَرَ بِالرُّجُوعِ عِنْدَهُ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (٤) .


(١) كشف الخفاء ص ٦٥، والموافقات ٤ / ١٢٥
(٢) حاشية ابن عابدين ١ / ٤٦
(٣) الموافقات ٤ / ١٢٩
(٤) الموافقات٤ / ١٢٠