للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

و - وَلَيْسَ مِنْ الْفِقْهِ كَذَلِكَ مَعْرِفَةُ الْعُلَمَاءِ لِلأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْفَرْعِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ بِطَرِيقِ التَّقْلِيدِ، كَمَعْرِفَةِ الْحَنَفِيِّ فَرْضِيَّةَ مَسْحِ رُبُعِ الرَّأْسِ، وَوُجُوبَ صَلاَةِ الْوِتْرِ وَالْعِيدَيْنِ، وَكَنَقْضِ الْوُضُوءِ بِسَيَلاَنِ الدَّمِ وَالْقَيْحِ عَنْ مَحَلِّهِمَا، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الأَْحْكَامِ، وَكَمَعْرِفَةِ الشَّافِعِيِّ جَوَازَ الاِكْتِفَاءِ بِمَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ، وَكَمَعْرِفَتِهِ أَنَّ الْوُضُوءَ يُنْقَضُ بِمَسِّ الْمَرْأَةِ الَّتِي تَحِل لَهُ مُطْلَقًا، وَكَعِلْمِهِ بِوُجُوبِ الْوَلِيِّ وَالشَّاهِدَيْنِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ. فَكُل هَذِهِ الأَْحْكَامِ حَاصِلَةٌ عِنْدَ الْمُتَفَقِّهِينَ، لاَ بِطَرِيقِ الاِسْتِنْبَاطِ، وَإِنَّمَا بِطَرِيقِ التَّقْلِيدِ.

ز - وَمِنْ هَذَا التَّعْرِيفِ نَعْلَمُ أَنَّ وَصْفَ الْفَقِيهِ لاَ يُطْلَقُ عِنْدَ الأُْصُولِيِّينَ عَلَى الْمُقَلِّدِ مَهْمَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ عِلْمِ الْفِقْهِ وَإِحَاطَتِهِ بِفُرُوعِهِ، بَل الْفَقِيهُ عِنْدَهُمْ مَنْ كَانَتْ لَهُ مَلَكَةُ الاِسْتِنْبَاطِ وَيَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَنْبِطَ الأَْحْكَامَ مِنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ. وَلَيْسَ مِنْ الضَّرُورِيِّ أَنْ يَكُونَ مُحِيطًا بِجَمِيعِ أَحْكَامِ الْفُرُوعِ، بَل يَكْفِي أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مَلَكَةُ الاِسْتِنْبَاطِ، وَإِلاَّ فَإِنَّ أَكْثَرَ الأَْئِمَّةِ الْمَعْرُوفِينَ تَوَقَّفُوا فِي بَعْضِ الْمَسَائِل، إِمَّا لِتَعَارُضِ الأَْدِلَّةِ عِنْدَهُمْ تَعَارُضًا يَصْعُبُ مَعَهُ تَرْجِيحُ دَلِيلٍ عَلَى دَلِيلٍ، أَوْ لَمْ تَصِل إِلَيْهِمْ أَدِلَّةٌ عَلَى هَذِهِ الْمَسَائِل الَّتِي تَوَقَّفُوا فِيهَا.

تَعْرِيفُ الْفِقْهِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ:

٤ - يُطْلَقُ الْفِقْهُ عِنْدَهُمْ عَلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْنِ:

أَوَّلُهُمَا: حِفْظُ طَائِفَةٍ مِنْ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ الْوَارِدَةِ فِي الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ، أَوْ وَقَعَ الإِْجْمَاعُ عَلَيْهَا، أَوِ اسْتُنْبِطَتْ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ الْمُعْتَبَرِ شَرْعًا، أَوْ بِأَيِّ دَلِيلٍ آخَرَ يَرْجِعُ إِلَى هَذِهِ الأَْدِلَّةِ، سَوَاءٌ أَحُفِظَتْ هَذِهِ الأَْحْكَامُ بِأَدِلَّتِهَا أَمْ بِدُونِهَا. فَالْفَقِيهُ عِنْدَهُمْ لاَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا كَمَا هُوَ رَأْيُ الأُْصُولِيِّينَ.

وَتَكَلَّمُوا فِي الْمِقْدَارِ الأَْدْنَى الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَحْفَظَهُ الشَّخْصُ حَتَّى يُطْلَقَ عَلَيْهِ لَقَبُ فَقِيهٍ. وَانْتَهَوْا إِلَى أَنَّ هَذَا مَتْرُوكٌ لِلْعُرْفِ. وَنَسْتَطِيعُ أَنْ نُقَرِّرَ أَنَّ عُرْفَنَا - الآْنَ - لاَ يُطْلِقُ لَقَبَ " فَقِيهٍ " إِلاَّ عَلَى مَنْ يَعْرِفُ مَوْطِنَ الْحُكْمِ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ الْمُتَنَاثِرَةِ بِحَيْثُ يَسْهُل عَلَيْهِ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ.