للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لاَ يَجُوزُ فِي الْهَدَايَا إِلاَّ مَا جَازَ فِي الضَّحَايَا، لأَِنَّهُ قُرْبَةٌ تَعَلَّقَتْ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ (١) ".

وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لاَ يَقُومُ مَقَامَ الإِْرَاقَةِ غَيْرُهَا، حَتَّى لَوْ تَصَدَّقَ بِالأُْضْحِيَّةِ أَوِ الْهَدْيِ أَوْ شَاةِ الْعَقِيقَةِ قَبْل ذَبْحِهَا لَمْ يُجْزِئْهُ ذَلِكَ عَنِ الأُْضْحِيَّةِ أَوِ الْهَدْيِ أَوِ الْعَقِيقَةِ (٢) . وَقَدْ تَحَدَّثَ الْفُقَهَاءُ عَنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الأَْضَاحِيِّ، وَفِي الْحَجِّ.

كَمَا اعْتَبَرَ الشَّارِعُ إِرَاقَةَ الدَّمِ قُرْبَةً عِنْدَمَا تَكُونُ وَسِيلَةً لِتَحْقِيقِ الْخَيْرِ، كَمَا هُوَ الْحَال فِي وُجُوبِ قِتَال الْكَافِرِينَ وَالْبُغَاةِ، وَقَتْلِهِمْ إِزَالَةً لِطُغْيَانِهِمْ، وَإِعْلاَءً لِكَلِمَةِ اللَّهِ فِي الأَْرْضِ، حَتَّى إِذَا مَا تَحَقَّقَ ذَلِكَ الْخَيْرُ بِغَيْرِ إِرَاقَةِ الدِّمَاءِ وَجَبَ أَلاَّ يُلْجَأَ إِلَيْهِ، وَلِذَلِكَ يَمْتَنِعُ الْقِتَال وَالْقَتْل إِذَا مَا أَجَابُوا أَهْل الْحَقِّ إِلَى الاِنْضِوَاءِ تَحْتَ رَايَةِ الإِْسْلاَمِ.

وَقَدْ فَصَّل الْفُقَهَاءُ ذَلِكَ فِي كِتَابَيِ الْجِهَادِ وَالْبُغَاةِ.

وَكَمَا هُوَ الْحَال فِي إِرَاقَةِ الدَّمِ قِصَاصًا أَوْ حَدًّا، لِيَرْتَدِعَ النَّاسُ عَنِ الطُّغْيَانِ وَانْتِهَاكِ حُرُمَاتِ اللَّهِ، قَال تَعَالَى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَْلْبَابِ} . (٣)

وَاعْتَبَرَ الشَّارِعُ إِرَاقَةَ الدَّمِ حَرَامًا إِذَا كَانَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلَمْ تَكُنْ لِغَرَضٍ مَشْرُوعٍ، وَلِذَلِكَ حَرَّمَ قَتْل الْمُسْلِمِ أَوِ الذِّمِّيِّ ظُلْمًا، وَحَرَّمَ ذَبْحَ الْحَيَوَانِ غَيْرِ الْمُؤْذِي لِغَيْرِ مَأْكَلَةٍ. وَحَرَّمَ ذَبْحَ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُول إِذَا أُهِل بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ (٤) ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْفُقَهَاءُ فِي كِتَابِ


(١) الهداية ١ / ١٨٥ طبع مصطفى البابي الحلبي.
(٢) البدائع ٥ / ٦٦ مطبعة الجمالية بمصر سنة ١٣٢٨
(٣) سورة البقرة / ١٧٩
(٤) جواهر الإكليل ١ / ٢٠٩ وما بعدها، وحاشية ابن عابدين ٥ / ١٦٩