للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَحْمَدَ أَنَّ الْكُفْرَ ثَلاَثُ مِلَلٍ: النَّصَارَى مِلَّةٌ، وَالْيَهُودُ مِلَّةٌ، وَمَنْ عَدَاهُمَا مِلَّةٌ، وَهُوَ قَوْل الْقَاضِي شُرَيْحٍ وَعَطَاءٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالضَّحَّاكِ وَالْحَكَمِ وَشَرِيكِ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَوَكِيعٍ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ رَأْيٌ آخَرُ مُرَجَّحٌ أَيْضًا وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ أَنَّ كُلًّا مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِلَّةٌ، وَأَنَّ مَا سِوَاهُمَا مِلَلٌ مُخْتَلِفَةٌ. وَذُكِرَ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ.

وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يَتَوَارَثُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَلاَ يَرِثُهُمُ الْمَجُوسُ وَلاَ يَرِثُ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى الْمَجُوسَ.

وَاسْتَدَل الْمَانِعُونَ مِنَ الْمِيرَاثِ فِيمَا بَيْنَ الْكُفَّارِ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: لاَ يَتَوَارَثُ أَهْل مِلَّتَيْنِ شَتَّى (١) وَهُمْ أَهْل مِلَلٍ مُخْتَلِفَةٍ بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى} (٢) فَقَدْ عَطَفَ النَّصَارَى عَلَى الَّذِينَ هَادُوا، وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَقَال تَعَالَى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْك الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} (٣) وَالْيَهُودُ لاَ تَرْضَى إِلاَّ بِاتِّبَاعِ الْيَهُودِيَّةِ مَعَهُمْ وَالنَّصَارَى كَذَلِكَ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِكُلٍّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ مِلَّةً عَلَى حِدَةٍ، وَلأَِنَّ النَّصَارَى يُقِرُّونَ بِنُبُوَّةِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالإِْنْجِيل، وَالْيَهُودُ يَجْحَدُونَ ذَلِكَ.

وَاسْتَدَل ابْنُ أَبِي لَيْلَى بِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّفَقُوا عَلَى دَعْوَى التَّوْحِيدِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ نِحَلُهُمْ


(١) تقدم (هامش ف ١٨)
(٢) سورة البقرة / ٦٣
(٣) سورة البقرة / ١٢٠