للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَدْ خَالَفَ الْحَنَابِلَةُ مَا قَال بِهِ الْمَالِكِيَّةُ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْعَادَةَ تُرَاعَى فِي أَحْكَامِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، إِذْ قَال الْحَارِثِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: لَوْ جَرَتْ عَادَةُ بَعْضِ أَهْل النَّوَاحِي رَبْطُهَا نَهَارًا وَإِرْسَالُهَا لَيْلاً وَحِفْظُ الزَّرْعِ لَيْلاً، فَالْحُكْمُ هُوَ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى مَالِكِهَا فِيمَا أَفْسَدَتْهُ لَيْلاً إِنْ فَرَّطَ فِي حِفْظِهَا، لاَ نَهَارًا (١) .

ثُمَّ اسْتَطْرَدَ الْحَنَابِلَةُ فِي ضَرْبِ الأَْمْثِلَةِ بِقَوْلِهِمْ: لَوْ أَنَّ الرَّجُل أَرْسَل صَيْدًا وَقَال: أَعْتَقْتُكَ، لَمْ يَزُل مِلْكُهُ عَنْهُ، كَمَا لَوْ أَرْسَل الْبَعِيرَ وَالْبَقَرَةَ، وَنَحْوَهُمَا مِنَ الْبَهَائِمِ الْمَمْلُوكَةِ، إِذْ أَنَّ مِلْكَهُ لاَ يَزُول عَنْهَا بِذَلِكَ (٢) .

الإِْرْسَال فِي الْقَبْضِ وَالْعَزْل:

١٤ - قَال السَّرَخْسِيُّ: (إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا ثُمَّ أَرْسَل رَسُولاً يَقْبِضُهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِذَا رَآهُ، وَرُؤْيَةُ الرَّسُول وَقَبْضُهُ لاَ يُلْزِمُهُ الْمَتَاعَ) لأَِنَّ الْمَقْصُودَ عِلْمُ الْعَاقِدِ بِأَوْصَافِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، لِيَتِمَّ رِضَاهُ، وَذَلِكَ لاَ يَحْصُل بِرُؤْيَةِ الرَّسُول، فَأَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنَّ قَبْضَ رَسُولِهِ كَقَبْضِهِ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ قَبَضَ بِنَفْسِهِ قَبْل الرُّؤْيَةِ كَانَ بِالْخِيَارِ إِذَا رَآهُ، فَكَذَلِكَ إِذَا أَرْسَل رَسُولاً فَقَبَضَهُ لَهُ، فَأَمَّا إِذَا وَكَّل وَكِيلاً يَقْبِضُهُ فَرَآهُ الْوَكِيل وَقَبَضَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُوَكِّل فِيهِ خِيَارٌ بَعْدَ ذَلِكَ فِي قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَال أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَهُ الْخِيَارُ إِذَا رَآهُ؛ لأَِنَّ الْقَبْضَ فِعْلٌ، وَالرَّسُول وَالْوَكِيل فِيهِ سَوَاءٌ، وَكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَأْمُورٌ بِإِحْرَازِ الْعَيْنِ وَالْحَمْل إِلَيْهِ وَالنَّقْل إِلَى ضَمَانِهِ بِفِعْلِهِ، ثُمَّ خِيَارُهُ لاَ


(١) كشاف القناع ٤ / ١٢٨
(٢) المصدر السابق ٤ / ١٣٤ هذا ويؤخذ مما تقدم أن الفروع التي مثل بها في المذاهب المختلفة ترجع كلها من حيث الضمان وعدمه إلى ثلاثة أمور: الإهمال، أو التعدي أو العرف.