للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَإِنْ صُولِحُوا عَلَى أَنَّ الأَْرْضَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ عَنْ رِقَابِهِمْ، فَإِنَّ الأَْرْضَ تَكُونُ وَقْفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَلاَ تُقْسَمُ بَيْنَهُمْ، وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا لاَ خِلاَفَ فِيهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ.

الأَْرْضُ الَّتِي فُتِحَتْ عَنْوَةً:

٢٥ - إِنْ فُتِحَتِ الأَْرْضُ عَنْوَةً: فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَقْسِيمِهَا عَلَى الْمُقَاتِلِينَ. فَقَال مَالِكٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ: لاَ تُقْسَمُ الأَْرْضُ، وَتَكُونُ وَقْفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، يُصْرَفُ خَرَاجُهَا فِي مَصَالِحِهِمْ، مِنْ أَرْزَاقِ الْمُقَاتِلَةِ وَبِنَاءِ الْقَنَاطِرِ وَالْمَسَاجِدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ سُبُل الْخَيْرِ، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَرَ الإِْمَامُ فِي وَقْتٍ مِنَ الأَْوْقَاتِ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ تَقْتَضِي الْقِسْمَةَ، فَلَهُ أَنْ يَقْسِمَهَا عَلَى الْمُقَاتِلِينَ، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ اتِّفَاقُ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ، حِينَمَا امْتَنَعَ عُمَرُ عَنْ تَقْسِيمِ أَرْضِ السَّوَادِ، عِنْدَمَا طَلَبَ مِنْهُ ذَلِكَ بِلاَلٌ، وَسَلْمَانُ. وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ: الإِْمَامُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَقْسِمَهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْمُقَاتِلِينَ، أَوْ يَضْرِبَ عَلَى أَهْلِهَا الْخَرَاجَ وَيُقِرَّهَا بِأَيْدِيهِمْ. وَذَلِكَ لأَِنَّ كِلاَ الأَْمْرَيْنِ قَدْ ثَبَتَ عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ ظَهَرَ عَلَى مَكَّةَ عَنْوَةً وَفِيهَا أَمْوَالٌ فَلَمْ يَقْسِمْهَا، وَظَهَرَ عَلَى قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ وَغَيْرِهِمَا فَلَمْ يَقْسِمْ شَيْئًا مِنْهَا، وَقَسَمَ نِصْفَ خَيْبَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَوَقَفَ النِّصْفَ لِنَوَائِبِهِ وَحَاجَاتِهِ، كَمَا فِي حَدِيثِ سَهْل بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَال: قَسَمَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ نِصْفَيْنِ: نِصْفًا لِنَوَائِبِهِ وَحَوَائِجِهِ، وَنِصْفًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، قَسَمَهَا بَيْنَهُمْ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ، وَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ هُوَ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ.