للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثَالِثًا: اسْتِخْلاَفُ الْقَاضِي

٣٢ - اتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ عَلَى أَنَّ الإِْمَامَ إِذَا أَذِنَ لِلْقَاضِي فِي الاِسْتِخْلاَفِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَعَلَى أَنَّهُ إِذَا نَهَاهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ، وَذَلِكَ لأَِنَّ الْقَاضِيَ إِنَّمَا يَسْتَمِدُّ وِلاَيَتَهُ مِنَ الإِْمَامِ، فَلاَ يَمْلِكُ أَنْ يُخَالِفَهُ إِذَا نَهَاهُ، كَالْوَكِيل مَعَ الْمُوَكِّل، فَإِنَّ الْمُوَكِّل إِذَا نَهَى الْوَكِيل عَنْ تَصَرُّفٍ مَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَالِفَهُ. قَال الدُّسُوقِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنَّ الْعُرْفَ بِالاِسْتِخْلاَفِ وَعَدَمِهِ كَالنَّصِّ عَلَى ذَلِكَ (١) .

أَمَّا إِنْ أَطْلَقَ الإِْمَامُ فَلَمْ يَأْذَنْ وَلَمْ يَنْهَ فَهُنَاكَ اتِّجَاهَاتٌ فِي الْمَذَاهِبِ.

ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَسَحْنُونٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ إِلَى: أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ؛ لأَِنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِإِذْنِ الإِْمَامِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ وَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ إِلَى: أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مُطْلَقًا. وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ الْوَجْهُ الآْخَرُ لِلشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ الاِسْتِخْلاَفُ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ، أَوْ سَفَرٍ، أَوْ سِعَةِ الْجِهَاتِ الْمُوَلَّى عَلَيْهَا، وَذَلِكَ لأَِنَّ الْقَاضِيَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَحْتَاجُ إِلَى الاِسْتِخْلاَفِ؛ وَلأَِنَّ قَرِينَةَ الْحَال تَقْتَضِي ذَلِكَ، فَإِنِ اسْتَخْلَفَ الْقَاضِي - بِغَيْرِ إِذْنٍ - وَقَضَى الْمُسْتَخْلَفُ فَإِنَّ قَضَاءَهُ يَنْفُذُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِذَا أَنْفَذَهُ الْقَاضِي الْمُسْتَخْلِفُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَخْلَفُ بِحَالٍ يَصْلُحُ مَعَهَا أَنْ يَكُونَ قَاضِيًا؛ لأَِنَّهُ


(١) الدسوقي ٤ / ١٣٣