للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التَّوْضِيحِ لِلْمُتَّسَقِ مِنْ الاِسْتِدْرَاكِ بِمَا لَوْ قَال الْمُقِرُّ: لَكَ عَلَيَّ أَلْفٌ قَرْضٌ، فَقَال لَهُ الْمُقَرُّ لَهُ: لاَ، لَكِنْ غَصْبٌ. الْكَلاَمُ مُتَّسِقٌ فَصَحَّ الْوَصْل عَلَى أَنَّهُ نَفْيٌ لِسَبَبِ الْحَقِّ، وَهُوَ كَوْنُ الْمُقَرِّ بِهِ عَنْ قَرْضٍ، لاَ نَفْيٍ لِلْوَاجِبِ وَهُوَ الأَْلْفُ. فَإِنَّ قَوْلَهُ: " لاَ " لاَ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى نَفْيِ الْوَاجِبِ؛ لأَِنَّ حَمْلَهُ عَلَى نَفْيِ الْوَاجِبِ لاَ يَسْتَقِيمُ مَعَ قَوْلِهِ: " لَكِنْ غَصْبٌ " وَلاَ يَكُونُ الْكَلاَمُ مُتَّسِقًا مُرْتَبِطًا. فَلَمَّا نَفَى كَوْنَهُ قَرْضًا تَدَارَكَ بِكَوْنِهِ غَصْبًا، فَصَارَ الْكَلاَمُ مُرْتَبِطًا، وَلاَ يَكُونُ رَدًّا لإِِقْرَارِهِ بَل يَكُونُ لِمُجَرَّدِ نَفْيِ السَّبَبِ.

وَمِنْ أَمْثِلَةِ مَا يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الاِسْتِئْنَافِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: مَا إِذَا تَزَوَّجَتِ الصَّغِيرَةُ الْمُمَيِّزَةُ مِنْ كُفْءٍ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا بِمِائَةٍ، فَقَال الْوَلِيُّ: لاَ أُجِيزُ النِّكَاحَ لَكِنْ أُجِيزُهُ بِمِائَتَيْنِ. قَالُوا: يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ، وَيَجْعَل " لَكِنْ " وَمَا بَعْدَهَا كَلاَمًا مُبْتَدَأً؛ لأَِنَّهُ لَمَّا قَال: " لاَ أُجِيزُ النِّكَاحَ " انْفَسَخَ النِّكَاحُ الأَْوَّل، فَإِنَّ النَّفْيَ انْصَرَفَ إِلَى أَصْل النِّكَاحِ، فَلاَ يُمْكِنُ إِثْبَاتُ ذَلِكَ النِّكَاحِ بَعْدَ ذَلِكَ بِمِائَتَيْنِ؛ لأَِنَّهُ يَكُونُ نَفْيُ النِّكَاحِ وَإِثْبَاتُهُ بِعَيْنِهِ، فَيَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرَ مُتَّسِقٍ، فَيُحْمَل " لَكِنْ بِمِائَتَيْنِ " عَلَى أَنَّهُ كَلاَمٌ مُسْتَأْنَفٌ، فَيَكُونُ إِجَازَةً لِنِكَاحٍ آخَرَ، الْمَهْرُ فِيهِ مِائَتَانِ. وَإِنَّمَا يَكُونُ كَلاَمُهُ مُتَّسِقًا لَوْ قَال بَدَل ذَلِكَ: لاَ أُجِيزُ هَذَا النِّكَاحَ بِمِائَةٍ لَكِنْ أُجِيزُهُ بِمِائَتَيْنِ؛ لأَِنَّ النَّفْيَ يَنْصَرِفُ إِلَى الْقَيْدِ وَهُوَ كَوْنُهُ بِمِائَةٍ، لاَ إِلَى أَصْل النِّكَاحِ، فَيَكُونُ الاِسْتِدْرَاكُ فِي الْمَهْرِ لاَ فِي أَصْل النِّكَاحِ. وَبِذَلِكَ لاَ يَكُونُ قَوْلُهُ إِبْطَالاً لِلنِّكَاحِ، فَلاَ يَنْفَسِخُ بِهِ. (١) وَفِي


(١) التوضيح لمتن التنقيح وحواشيه ١ / ٣٦٥، ٣٦٦، وتيسير التحرير ٢ / ٢٠٢