للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رَابِعًا: فَسَادُ الْعَقْدِ:

١٠ - يُفَرِّقُ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ الْعَقْدِ الْبَاطِل وَالْعَقْدِ الْفَاسِدِ، فَالْعَقْدُ الْبَاطِل عِنْدَهُمْ: هُوَ مَا لَمْ يُشْرَعْ بِأَصْلِهِ وَلاَ وَصْفِهِ، وَالْعَقْدُ الْفَاسِدُ: هُوَ مَا شُرِعَ بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ. أَمَّا حُكْمُ الاِسْتِرْدَادِ بِالنِّسْبَةِ لِكُلٍّ مِنَ الْبَاطِل وَالْفَاسِدِ فَيَظْهَرُ فِيمَا يَأْتِي:

الْعَقْدُ الْبَاطِل لاَ وُجُودَ لَهُ شَرْعًا، وَلاَ يُفِيدُ الْمِلْكَ؛ لأَِنَّهُ لاَ أَثَرَ لَهُ، وَلاَ يَمْلِكُ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ أَنْ يُجْبِرَ الآْخَرَ عَلَى تَنْفِيذِهِ.

فَفِي الْبَيْعِ يَقُول الْكَاسَانِيُّ: لاَ حُكْمَ لِهَذَا الْبَيْعِ (الْبَاطِل) أَصْلاً؛ لأَِنَّ الْحُكْمَ لِلْمَوْجُودِ، وَلاَ وُجُودَ لِهَذَا الْبَيْعِ إِلاَّ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ؛ لأَِنَّ التَّصَرُّفَ الشَّرْعِيَّ لاَ وُجُودَ لَهُ بِدُونِ الأَْهْلِيَّةِ وَالْمَحَلِّيَّةِ شَرْعًا، كَمَا لاَ وُجُودَ لِلتَّصَرُّفِ الْحَقِيقِيِّ إِلاَّ مِنْ الأَْهْل فِي الْمَحَل حَقِيقَةً، وَذَلِكَ نَحْوُ بَيْعِ الْمَيْتَةِ، وَالدَّمِ، وَكُل مَا لَيْسَ بِمَالٍ (١) .

وَمَا دَامَ الْعَقْدُ الْبَاطِل لاَ وُجُودَ لَهُ شَرْعًا، وَلاَ يُنْتِجُ أَيَّ أَثَرٍ، فَإِنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْبَائِعَ لَوْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ بِاخْتِيَارِهِ لِلْمُشْتَرِي، أَوْ دَفَعَ الْمُشْتَرِي بِاخْتِيَارِهِ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ، كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ، وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَرِدَّ الثَّمَنَ؛ لأَِنَّ الْبَيْعَ الْبَاطِل لاَ يُفِيدُ الْمِلْكَ وَلَوْ بِالْقَبْضِ، وَلِذَلِكَ لَوْ تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِيهِ بِبَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ عِتْقٍ، فَإِنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ لاَ يَمْنَعُ الْبَائِعَ مِنِ اسْتِرْدَادِ الْمَبِيعِ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي، ذَلِكَ أَنَّ الْبَيْعَ الْبَاطِل لَمْ يَنْقُل الْمِلْكِيَّةَ لِلْمُشْتَرِي، فَيَكُونُ الْمُشْتَرِي قَدْ بَاعَ مَالاً غَيْرَ مَمْلُوكٍ لَهُ. (٢)


(١) بدائع الصنائع ٥ / ٣٠٥، وابن عابدين ٤ / ١١٠ ط ثالثة.
(٢) الفتاوى الخانية بهامش الفتاوى الهندية ٢ / ١٣٣ ط المكتبة الإسلامية.