للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَال ابْنُ عَقِيلٍ: وَقَدْ جَعَل أَصْحَابُنَا الْمُحَدِّثُونَ لِجَوَازِ الأَْخْذِ وَجْهًا فِي الْمَذْهَبِ، أَخْذًا مِنْ حَدِيثِ هِنْدٍ حِينَ قَال لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ. (١)

قَال أَبُو الْخَطَّابِ: وَيَتَخَرَّجُ لَنَا جَوَازُ الأَْخْذِ، فَإِنْ كَانَ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ أَخَذَ بِقَدْرِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ تَحَرَّى وَاجْتَهَدَ فِي تَقْوِيمِهِ، مَأْخُوذٌ مِنْ حَدِيثِ هِنْدٍ، وَمِنْ قَوْل أَحْمَدَ فِي الْمُرْتَهِنِ " يَرْكَبُ وَيَحْلُبُ بِقَدْرِ مَا يُنْفِقُ ". وَالْمَرْأَةُ تَأْخُذُ مَئُونَتَهَا وَبَائِعُ السِّلْعَةِ يَأْخُذُهَا مِنْ مَال الْمُفْلِسِ بِغَيْرِ رِضًا.

وَاحْتَجَّ مَنْ أَجَازَ الأَْخْذَ بِحَدِيثِ هِنْدٍ السَّابِقِ.

وَقَال الشَّافِعِيُّ: إِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِخْلاَصِ حَقِّهِ بِعَيْنِهِ فَلَهُ أَخْذُ قَدْرِ حَقِّهِ مِنْ جِنْسِهِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، إِنْ لَمْ يَخَفِ الْفِتْنَةَ.

وَإِنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَقَدَرَ عَلَى اسْتِخْلاَصِ حَقِّهِ فَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ لَهُ أَخْذَ جِنْسِ حَقِّهِ مِنْ مَالِهِ، وَكَذَا غَيْرُ جِنْسِهِ لِلضَّرُورَةِ. وَفِي قَوْلٍ آخَرَ: الْمَنْعُ، لأَِنَّهُ لاَ يَتَمَكَّنُ مِنْ تَمَلُّكِهِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لاَ بُدَّ فِيهِ مِنَ التَّرَاضِي.

١٨ - هَذَا، وَانْفَرَدَ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا بِأَنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ أَخْذَ حَقِّهِ اسْتِقْلاَلاً، وَلَوْ كَانَ عَلَى مُقِرٍّ مُمْتَنِعٍ، أَوْ عَلَى مُنْكِرٍ وَلِصَاحِبِ الْحَقِّ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، لأَِنَّ فِي الرَّفْعِ إِلَى الْقَضَاءِ مَئُونَةً وَمَشَقَّةً وَتَضْيِيعَ زَمَانٍ. وَالْقَوْل الآْخَرُ عِنْدَهُمْ: يَجِبُ الرَّفْعُ إِلَى


(١) حديث هند أخرجه البخاري واللفظ له، ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها. (فتح الباري ٩ / ٥٠٧ ط السلفية، وصحيح مسلم بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ٣ / ١٣٣٨ ط عيسى الحلبي ١٣٧٥ هـ) .