للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإِْسْرَافُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ

١٧ - الْمَحْظُورُ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ: هُوَ مَا مُنِعَ مِنِ اسْتِعْمَالِهِ شَرْعًا، وَيَشْمَل بِالْمَعْنَى الأَْعَمِّ الْحَرَامَ وَالْمَكْرُوهَ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ، فَالْمَحْظُورَاتُ بِهَذَا الْمَعْنَى هِيَ الْمَمْنُوعَاتُ الشَّرْعِيَّةُ الَّتِي تُوجِبُ الْعِقَابَ (١) .

وَارْتِكَابُ الْمُحَرَّمَاتِ يُعْتَبَرُ بِنَفْسِهِ إِسْرَافًا، لأَِنَّهُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ الْمَشْرُوعِ. يَقُول الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا} (٢) : الإِْسْرَافُ فِي كُل شَيْءٍ الإِْفْرَاطُ فِيهِ، وَالْمُرَادُ هُنَا الذُّنُوبُ الْعَظِيمَةُ الْكَبِيرَةُ. قَال أَبُو حَيَّانَ الأَْنْدَلُسِيُّ: (ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا) مُتَقَارِبَانِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، فَجَاءَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيل التَّأْكِيدِ. (٣) وَقِيل: الذُّنُوبُ مَا دُونَ الْكَبَائِرِ. ثُمَّ إِنَّ الْمُبَالَغَةَ فِي ارْتِكَابِ الْمَمْنُوعِ تُوجِبُ تَشْدِيدَ الْعِقَابِ، فَالْعُقُوبَةُ بِقَدْرِ الْجَرِيمَةِ، كَمَا قَرَّرَهُ الْفُقَهَاءُ، وَالإِْصْرَارُ عَلَى الصَّغِيرَةِ وَإِدَامَتُهَا يَأْخُذُ حُكْمَ الْكَبِيرَةِ فِي إِسْقَاطِ الْعَدَالَةِ، فَلاَ تُقْبَل شَهَادَةُ مَنْ كَثُرَتْ صَغَائِرُهُ وَأَصَرَّ عَلَيْهَا (٤) .

١٨ - لَكِنْ هُنَاكَ حَالاَتٌ خَاصَّةٌ يَجُوزُ لِلشَّخْصِ الإِْتْيَانُ بِالْمُحَرَّمِ، بِشَرْطِ أَلاَّ يُسْرِفَ أَيْ لاَ يُجَاوِزَ الْحَدَّ الْمَشْرُوعَ وَذَلِكَ مِثْل:

أ - حَالَةِ الإِْكْرَاهِ: كَمَا إِذَا أَجْبَرَ شَخْصٌ آخَرَ بِأَكْل أَوْ شُرْبِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْخَمْرِ وَغَيْرِهَا.

ب - حَالَةِ الاِضْطِرَارِ: كَمَا إِذَا وُجِدَ الشَّخْصُ فِي


(١) ابن عابدين ٥ / ٢١٤.
(٢) سورة آل عمران / ١٤٧.
(٣) البحر المحيط ٣ / ٧٥.
(٤) قليوبي ٤ / ٣١٩، وابن عابدين ٤ / ٣٧٧، والشرح الصغير ٤ / ٢٤٢، وجواهر الإكليل ٢ / ٢٣٣.