للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حَالَةٍ لَوْ لَمْ يَتَنَاوَل الْمُحَرَّمَ هَلَكَ، وَلاَ تَكُونُ لِلْخُرُوجِ عَنْ هَذِهِ الْحَالَةِ وَسِيلَةٌ أُخْرَى، كَحَالَةِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ الشَّدِيدَيْنِ. (١)

فَفِي هَذِهِ الْحَالاَتِ يَجُوزُ اتِّفَاقًا - بَل يَجِبُ عِنْدَ الأَْكْثَرِ - أَكْل مَا حَرَّمَ اللَّهُ مِنَ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالأَْمْوَال الْمُحَرَّمَةِ، بِشَرْطِ أَلاَّ يُسْرِفَ الآْكِل وَالشَّارِبُ، وَلاَ يَتَجَاوَزُ الْحُدُودَ الشَّرْعِيَّةَ الْمُقَرَّرَةَ الَّتِي سَيَأْتِي تَفْصِيلُهَا.

وَتَتَّفِقُ حَالَةُ الإِْكْرَاهِ مَعَ حَالَةِ الاِضْطِرَارِ فِي الْحُكْمِ، وَلَكِنَّهُمَا تَخْتَلِفَانِ فِي سَبَبِ الْفِعْل، فَفِي الإِْكْرَاهِ يَدْفَعُ الْمُكْرَهَ إِلَى إِتْيَانِ الْفِعْل الْمُحَرَّمِ شَخْصٌ آخَرُ وَيُجْبِرُهُ عَلَى الْعَمَل، أَمَّا فِي حَالَةِ الاِضْطِرَارِ فَيُوجَدُ الْفَاعِل فِي ظُرُوفٍ تَقْتَضِي الْخُرُوجَ مِنْهَا، أَنْ يَرْتَكِبَ الْفِعْل الْمُحَرَّمَ لِيُنْجِيَ نَفْسَهُ. وَبِهَذَا نَكْتَفِي بِذِكْرِ حُكْمِ الإِْسْرَافِ فِي حَالَةِ الاِضْطِرَارِ فَقَطْ. ١٩ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُضْطَرَّ يَجُوزُ لَهُ الاِنْتِفَاعُ بِالْمُحَرَّمِ، وَلَوْ كَانَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ أَوْ مَال الْغَيْرِ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ} (٢) لَكِنَّ الأَْكْل وَالشُّرْبَ مِنَ الْمُحَرَّمِ حَال الاِضْطِرَارِ مَحْدُودٌ بِحُدُودٍ لاَ يَجُوزُ التَّجَاوُزُ عَنْهَا وَالإِْسْرَافُ فِيهَا، وَإِلاَّ يُعْتَبَرُ مُسِيئًا وَآثِمًا.

وَالْجُمْهُورُ: الْحَنَفِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ مِقْدَارَ مَا يَجُوزُ لِلْمُضْطَرِّ (٣)


(١) الحموي على الأشباه ص ١٠٨، والشرح الكبير للدردير ٢ / ١١٥، والقليوبي ٤ / ٢٦٢، والمغني ٨ / ٥٩٥، ٥٩٦.
(٢) سورة البقرة / ١٧٣.
(٣) حالة الاضطرار: أن يبلغ الإنسان حدا إن لم يتناول الممنوع يهلك، ويشترط فيه أن يكون خوف الموت قائما في الحال، وألا يكون لدفعه وسيلة أخرى. اللجنة.