للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأَِنَّ الإِْبْرَاءَ - عَلَى رَأْيِهِمْ - نَقْلٌ لِلْمِلْكِ، فَهُوَ تَمْلِيكُ الْمَدِينِ مَا فِي ذِمَّتِهِ، فَيَكُونُ مِنْ قَبِيل الْهِبَةِ الَّتِي يُشْتَرَطُ فِيهَا الْقَبُول. (١)

وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ عِنْدَهُمْ هِيَ تَرَفُّعُ ذَوِي الْمُرُوءَاتِ عَمَّا قَدْ يَحْدُثُ فِي الإِْبْرَاءِ مِنْ مِنَّةٍ، وَمَا قَدْ يُصِيبُهُمْ مِنْ ضَرَرٍ بِذَلِكَ، لاَ سِيَّمَا مِنَ السَّفَلَةِ، فَكَانَ لَهُمُ الرَّفْضُ شَرْعًا، نَفْيًا لِلضَّرَرِ الْحَاصِل مِنَ الْمِنَنِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا، أَوْ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ. (٢)

رَدُّ الإِْسْقَاطِ:

١٦ - لاَ يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي أَنَّ الإِْسْقَاطَاتِ الْمَحْضَةَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا مَعْنَى التَّمْلِيكِ، وَاَلَّتِي لَمْ تُقَابَل بِعِوَضٍ، كَالْعِتْقِ وَالطَّلاَقِ وَالشُّفْعَةِ وَالْقِصَاصِ لاَ تَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، لأَِنَّهَا لاَ تَفْتَقِرُ إِلَى الْقَبُول، وَبِالإِْسْقَاطِ يَسْقُطُ الْمِلْكُ وَالْحَقُّ، فَيَتَلاَشَى وَلاَ يُؤَثِّرُ فِيهِ الرَّدُّ، وَالسَّاقِطُ لاَ يَعُودُ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ. وَلاَ يَخْتَلِفُونَ كَذَلِكَ فِي أَنَّ الإِْسْقَاطَاتِ الَّتِي تُقَابَل بِعِوَضٍ، كَالطَّلاَقِ وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ، تَرْتَدُّ بِالرَّدِّ مَا لَمْ يَسْبِقْ قَبُولٌ أَوْ طَلَبٌ. (٣)

١٧ - أَمَّا مَا فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ كَالإِْبْرَاءِ مِنَ الدَّيْنِ، فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ رَأْيُ


(١) الدسوقي ٤ / ٩٩، والفروق للقرافي ٢ / ١١٠، والمهذب ١ / ٤٥٥، وشرح الروض ٢ / ١٩٥.
(٢) الفروق ٢ / ١١٠، وشرح الروض ٢ / ٩٥، ومنح الجليل ٤ / ٨٦، ٨٨، والدسوقي ٤ / ٩٩، والمهذب ١ / ٤٥٤، ٤٥٥ و ٢ / ٧٣، ويلاحظ أن هذه الحكمة علل بها الحنفية أيضا ارتداد الإبراء بالرد، كما سيأتي (البدائع ٥ / ٢٠٣) .
(٣) لاختيار ٣ / ١٢١، ١٥٧، ٤ / ١٧، وشرح منتهى الإرادات ٣ / ١٠٧، ١٠٨ و ٢ / ٦٧٦، والمهذب ٢ / ٧٣، وجواهر الإكليل ١ / ٣٣٠، ٢ / ٢٩٩، والمغني ٥ / ٦٥٨.