للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَصَلاَةُ الْمُسَافِرِ قَصْرًا فَرْضٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَفِي قَوْلٍ لِلْمَالِكِيَّةِ، وَتُعْتَبَرُ رُخْصَةَ إِسْقَاطٍ، لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ. (١) وَجْهُ الاِسْتِدْلاَل: أَنَّ التَّصَدُّقَ بِمَا لاَ يَحْتَمِل التَّمْلِيكَ إِسْقَاطٌ لاَ يَحْتَمِل الرَّدَّ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لاَ يَلْزَمُ طَاعَتُهُ كَوَلِيِّ الْقِصَاصِ، فَهُوَ مِنَ اللَّهِ الَّذِي تَلْزَمُ طَاعَتُهُ أَوْلَى (٢) .

وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: أَنَّ قَصْرَ الصَّلاَةِ سُنَّةٌ لِلتَّرْفِيهِ عَنِ الْعَبْدِ.

كَذَلِكَ يَسْقُطُ فَرْضُ الْكِفَايَةِ عَمَّنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ، إِذَا قَامَ بِهِ غَيْرُهُ، بَل إِنَّ الْقَرَافِيَّ يَقُول: يَكْفِي فِي سُقُوطِ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْكِفَايَةِ ظَنُّ الْفِعْل، لاَ وُقُوعُهُ تَحْقِيقًا (٣) .

وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا إِسْقَاطُ الْحُرْمَةِ فِي تَنَاوُل الْمُحَرَّمِ لِلضَّرُورَةِ، كَأَكْل الْمُضْطَرِّ لِلْمَيْتَةِ، وَإِسَاغَةِ اللُّقْمَةِ بِالْخَمْرِ لِمَنْ غَصَّ بِهَا، وَإِبَاحَةِ نَظَرِ الْعَوْرَةِ لِلطَّبِيبِ (٤) . وَيَسْرِي هَذَا الْحُكْمُ عَلَى الْمُعَامَلاَتِ، فَمِنَ الرُّخْصَةِ مَا سَقَطَ مَعَ كَوْنِهِ مَشْرُوعًا فِي الْجُمْلَةِ، وَذَلِكَ كَمَا فِي السَّلَمِ، لِقَوْل الرَّاوِي: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الإِْنْسَانِ، وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ. (٥) وَأَنَّ الأَْصْل فِي الْبَيْعِ أَنْ يُلاَقِيَ عَيْنًا،


(١) حديث: " صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " أخرجه مسلم (١ / ٤٧٨ - ط الحلبي) .
(٢) التلويح ٢ / ١٣٠، وأشباه ابن نجيم ص ٧٥.
(٣) الفروق للقرافي ١ / ١١٧، والمغني ٨ / ٣٤٥، والشرح الكبير بهامش المغني ٢ / ١٠١.
(٤) التلويح ٢ / ١٢٩، وأشباه ابن نجيم ص ٧٥ وما بعدها، ومسلم الثبوت ١ / ١١٨، والمنثور في القواعد ٢ / ١٦٤.
(٥) حديث: " نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان " أخرجه أبو داود (٣ / ٣٠٣ - عون المعبود - ط الهند) ، والبيهقي (٥ / ٢٦٧ ط دائرة المعارف العثمانية) ، والترمذي (تحفة الأحوذي ٤ / ٤٣٠، ٤٣١ ط السلفية) ، من حديث حكيم بن حزام مرفوعا بلفظ " لا تبع ما ليس عندك ". وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. أما الترخيص في السلم فهو مفهوم من أحاديث كثيرة، وليس بهذا اللفظ، منها قوله صلى الله عليه وسلم: " من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم " أخرجه البخاري (فتح الباري ٥ / ٤٢٨ ط السلفية) .