للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِوُجُوبِ الْقَطْعِ، يَقُول ابْنُ رُشْدٍ: اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الأَْشْيَاءِ الَّتِي أَصْلُهَا مُبَاحٌ، هَل يَجِبُ فِي سَرِقَتِهَا الْقَطْعُ؟ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْقَطْعَ فِي كُل مُتَمَوَّلٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَأَخْذُ الْعِوَضِ فِيهِ، وَعُمْدَتُهُمْ عُمُومُ الآْيَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَطْعِ، يَقُول اللَّهُ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (١) وَعُمُومُ الآْثَارِ الْوَارِدَةِ فِي اشْتِرَاطِ النِّصَابِ، وَمِنْهَا مَا ثَبَتَ عَنِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: لاَ تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إِلاَّ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا. (٢)

وَيَقُول الدُّسُوقِيُّ: وَيَجِبُ الْقَطْعُ وَإِنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ مُحَقَّرًا كَمَاءٍ وَحَطَبٍ، لأَِنَّهُ مُتَمَوَّلٌ مَا دَامَ مُحَرَّزًا، وَلَوْ كَانَ مُبَاحَ الأَْصْل. (٣) وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ، (٤) وَالْقَوْل الْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. (٥) لَكِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ، وَالْحَنَابِلَةَ يَرَوْنَ عَدَمَ الْقَطْعِ، لأَِنَّهُ لاَ يُتَمَوَّل عَادَةً، وَلأَِنَّ الإِْبَاحَةَ الأَْصْلِيَّةَ تُورِثُ شُبْهَةً بَعْدَ الإِْحْرَازِ، وَلأَِنَّ التَّافِهَ لاَ يُحَرَّزُ عَادَةً، أَوْ لاَ يُحَرَّزُ إِحْرَازَ الْخَطِيرِ، وَيَنْتَهُونَ إِلَى أَنَّ الاِعْتِمَادَ عَلَى مَعْنَى التَّفَاهَةِ دُونَ إِبَاحَةِ الأَْصْل،


(١) سورة المائدة / ٣٨.
(٢) بداية المجتهد ٢ / ٢٧٦ وحديث " لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا " رواه مسلم (٣ / ١٣١٢ - ط الحلبي) والنسائي (٨ / ٨١ - ط المكتبة التجارية) .
(٣) حاشية الدسوقي ٤ / ٣٣٤.
(٤) الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع ٤ / ١٧١، وأسنى المطالب ٤ / ١٤١.
(٥) الهداية والفتح ٤ / ٢٥٧، والمبسوط ٩ / ١٥٣.