للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَمَّا السُّنَّةُ فَأَحَادِيثُ تَحْكِي فِعْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا، وَأُخْرَى تَحْكِي قَوْلَهُ فِي بَيَانِ فَضْلِهَا وَالتَّرْغِيبِ فِيهَا وَالتَّنْفِيرِ مِنْ تَرْكِهَا. فَمِنْ ذَلِكَ مَا صَحَّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَال: {ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا} . (١) وَأَحَادِيثُ أُخْرَى سَيَأْتِي بَعْضُهَا مِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ فَلاَ يَقْرَبَنَّ مُصَلاَّنَا} . (٢) وَقَدْ شُرِعَتِ التَّضْحِيَةُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَهِيَ السَّنَةُ الَّتِي شُرِعَتْ فِيهَا صَلاَةُ الْعِيدَيْنِ وَزَكَاةُ الْمَال. (٣) أَمَّا حِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهَا، فَهِيَ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى نِعْمَةِ الْحَيَاةِ، وَإِحْيَاءُ سُنَّةِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ حِينَ أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ اسْمُهُ بِذَبْحِ الْفِدَاءِ عَنْ وَلَدِهِ إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ، وَأَنْ يَتَذَكَّرَ الْمُؤْمِنُ أَنَّ صَبْرَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيل عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ وَإِيثَارَهُمَا طَاعَةَ اللَّهِ وَمَحَبَّتَهُ عَلَى مَحَبَّةِ النَّفْسِ وَالْوَلَدِ كَانَا سَبَبَ الْفِدَاءِ وَرَفْعَ الْبَلاَءِ، فَإِذَا تَذَكَّرَ الْمُؤْمِنُ ذَلِكَ اقْتَدَى بِهِمَا فِي الصَّبْرِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَتَقْدِيمِ مَحَبَّتِهِ عَزَّ وَجَل عَلَى هَوَى النَّفْسِ وَشَهْوَتِهَا (٤) .


(١) حديث أنس بن مالك رضي الله عنه " ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين. . . . " أخرجه مسلم (٣ / ١٥٥٦ - ١٥٥٧ ط عيسى الحلبي) .
(٢) حديث: " من كان له سعة. . . . " أخرجه ابن ماجه (٢ / ١٠٤٤ ط الحلبي) والحاكم (٢ / ٣٨٩، ٣٩٠ ط دائرة المعارف العثمانية) والحديث صححه الحاكم وأقره الذهبي.
(٣) البجيرمي على المنهج ٤ / ٢٩٤، والمجموع للنووي ٨ / ٣٨٣.
(٤) محاسن الإسلام لمحمد بن عبد الرحمن البخاري (الزاهد) ص ١٠٤ ط. دار الكتاب العربي.