للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَرْضَ الْهِجْرَةِ عَلَى مَنْ أَطَاقَهَا إِنَّمَا هُوَ عَلَى مَنْ فُتِنَ عَنْ دِينِهِ بِالْبَلَدِ الَّذِي يُسْلِمُ بِهَا؛ لأَِنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِقَوْمٍ بِمَكَّةَ أَنْ يُقِيمُوا بِهَا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ؛ مِنْهُمُ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَغَيْرُهُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ إِذْ لَمْ يَخَافُوا الْفِتْنَةَ (١) . وَحَمَلُوا حَدِيثَ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُل مُسْلِمٍ يُقِيمُ مَعَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى مَنْ لاَ يَأْمَنُ عَلَى دِينِهِ فِي دَارِهِمْ (٢) .

غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ اسْتَثْنَوْا مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِمْ بِالاِسْتِحْبَابِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ثَلاَثَ صُوَرٍ:

الأُْولَى: أَنَّ الْمُسْلِمَ لَوْ رَجَا ظُهُورَ الإِْسْلاَمِ بِمُقَامِهِ فِي دَارِ الْكُفْرِ كَانَ مُقَامُهُ فِيهَا أَفْضَل.

وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ إِنْ قَدَرَ عَلَى الاِمْتِنَاعِ فِي دَارِ الْكُفْرِ وَالاِعْتِزَال، وَلَمْ يَرْجُ نُصْرَةَ الْمُسْلِمِينَ بِالْهِجْرَةِ، وَجَبَ عَلَيْهِ الْمُقَامُ فِي دَارِ الْكُفْرِ؛ لأَِنَّ مَوْضِعَهُ فِيهَا دَارُ إِسْلاَمٍ، فَلَوْ هَاجَرَ لَصَارَ دَارَ الْحَرْبِ، وَيَحْرُمُ ذَلِكَ.

وَالثَّالِثَةُ: أَنَّهُ إِنْ قَدَرَ عَلَى قِتَال الْكُفَّارِ أَوْ دُعَائِهِمْ إِلَى الإِْسْلاَمِ، لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَإِلاَّ فَلاَ (٣) .

وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْمُسْلِمُ عَاجِزًا عَنْ إِظْهَارِ دِينِهِ


(١) الأُْمّ ٤ / ٨٤، وأحكام الْقُرْآن لِلشَّافِعِيِّ ٢ / ١٧، ١٨
(٢) فَتْح الْبَارِي ٦ / ٣٩ ط السَّلَفِيَّة
(٣) تُحْفَة الْمُحْتَاج ٩ / ٢٦٩، ونهاية الْمُحْتَاج ٨ / ٧٨، وروضة الطَّالِبِينَ ١٠ / ٢٨٢، وأسنى الْمَطَالِب ٤ / ٢٠٤