للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْعُقُودُ الَّتِي يَكُونُ الْمَال الْمَقْبُوضُ فِي تَنْفِيذِهَا أَمَانَةً فِي يَدِ قَابِضِهِ لِحِسَابِ صَاحِبِهِ، فَلاَ يَكُونُ الْقَابِضُ مَسْئُولاً عَمَّا يُصِيبُهُ مِنْ تَلَفٍ فَمَا دُونَهُ إِلاَّ إِذَا تَعَدَّى عَلَيْهِ أَوْ قَصَّرَ فِي حِفْظِهِ، كَالشَّرِكَةِ وَالْوَكَالَةِ وَالإِْجَارَةِ وَالْوِصَايَةِ.

وَإِنَّمَا كَانَتِ الْوَدِيعَةُ كَذَلِكَ؛ لأَِنَّ الأَْصْل فِيهَا أَنَّهَا مَعْرُوفٌ وَإِحْسَانٌ مِنَ الْوَدِيعِ، فَلَوْ ضَمِنَ مِنْ غَيْرِ عُدْوَانٍ أَوْ تَفْرِيطٍ، لاَمْتَنَعَ النَّاسُ عَنْ قَبُول الْوَدَائِعِ، وَذَلِكَ مُضِرٌّ بِهِمْ، إِذْ كَثِيرًا مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهَا أَوْ يَضْطَرُّونَ.

وَقَدْ نَبَّهَ الْفُقَهَاءُ إِلَى تَمَيُّزِ عَقْدِ الْوَدِيعَةِ وَاخْتِصَاصِهِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ عُقُودِ الأَْمَانَةِ بِأَنَّ مَوْضُوعَهُ وَمَقْصِدَهُ الأَْسَاسَ: الاِئْتِمَانُ عَلَى الْحِفْظِ دُونَ أَيِّ غَرَضٍ آخَرَ كَالتَّصَرُّفِ أَوِ الاِنْتِفَاعِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَذَلِكَ لِتَمْحُّضِهِ وَتَجَرُّدِهِ لِلْحِفْظِ فَقَطْ، بِخِلاَفِ عُقُودِ الأَْمَانَةِ الأُْخْرَى، فَإِنَّ الاِئْتِمَانَ عَلَى الْحِفْظِ فِيهَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ أَصَالَةً، بَل ضِمْنًا، فَفِي الإِْجَارَةِ مَثَلاً، يُلاَحَظُ أَنَّ غَرَضَ الْعَقْدِ وَغَايَتَهُ الأَْصْلِيَّةَ إِنَّمَا هِيَ تَمْلِيكُ مَنَافِعِ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ بِعِوَضٍ لِلْمُسْتَأْجِرِ، وَأَنَّ الاِئْتِمَانَ عَلَى الْحِفْظِ أَمْرٌ ضِمْنِيٌّ تَابِعٌ لِذَلِكَ الْمَقْصِدِ. وَفِي الْوِلاَيَةِ عَلَى الْمَال وَالْوِصَايَةِ وَالْوَكَالَةِ وَالشَّرِكَةِ يَبْرُزُ غَرَضُ الْعَقْدِ وَهَدَفُهُ الأَْسَاسُ: أَنَّهُ التَّصَرُّفُ فِي الْمَال فِي الْحُدُودِ الَّتِي