للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْوَدِيعَةَ فِيمَا لاَ غِنَى لَهُ عَنْهُ وَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْهُ وَلَهُ مَالٌ، وَقَالُوا: يُرْجَعُ عَلَيْهِ عِنْدَ ذَلِكَ بِالأَْقَل مِمَّا أَتْلَفَهُ أَوْ مِمَّا صُونَ بِهِ مَالُهُ. (١)

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ إِلَى تَضْمِينِ الصَّبِيِّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَذَلِكَ لِعَدَمِ الاِعْتِدَادِ بِاسْتِيدَاعِهِ، وَكَوْنِهِ مِنْ أَهْل الضَّمَانِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ مَالاً لِغَيْرِهِ بِلاَ اسْتِيدَاعٍ وَلاَ تَسْلِيطٍ عَلَى الإِْتْلاَفِ (٢) . وَعَلَّل ابْنُ قُدَامَةَ ذَلِكَ بِأَنَّ مَا ضَمِنَهُ بِإِتْلاَفِهِ قَبْل الإِْيدَاعِ، ضَمِنَهُ بَعْدَ الإِْيدَاعِ كَالْبَالِغِ، وَأَنَّ الْمُودِعَ مَا سَلَّطَهُ عَلَى إِتْلاَفِ الْوَدِيعَةِ، وَإِنَّمَا اسْتَحْفَظَهُ إِيَّاهَا. (٣)

وَقَدْ بَيَّنَ السُّيُوطِيُّ فِي الأَْشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ أَسَاسَ الْفَرْقِ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ التَّلَفِ وَالإِْتْلاَفِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَال: قَاعِدَةٌ: كُل مَنْ ضَمِنَ الْوَدِيعَةَ بِالإِْتْلاَفِ ضَمِنَهَا بِالتَّفْرِيطِ إِلاَّ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا بِالإِْتْلاَفِ عَلَى الأَْظْهَرِ، وَلاَ يَضْمَنُهَا بِالتَّفْرِيطِ قَطْعًا؛ لأَِنَّ الْمُفَرِّطَ هُوَ الَّذِي أَوْدَعَهُ (٤) .


(١) مَيَّارَة عَلَى التُّحْفَةِ ٢ / ١٨٩، وَالتَّاجُ وَالإِْكْلِيل ٥ / ٢٦٧، وَالزُّرْقَانِيَّ عَلَى خَلِيلٍ ٦ / ١٢٥.
(٢) تُحْفَةُ الْمُحْتَاجِ ٧ / ١٠٤، وَأَسْنَى الْمَطَالِبِ ٣ / ٧٥، وَرَوْضَةُ الطَّالِبِينَ ٦ / ٣٢٥، وَالإِْنْصَافُ ٦ / ٣٣٦.
(٣) الْمُغْنِي ٩ / ٢٧٩، وَالإِْنْصَافُ ٦ / ٣٣٦ ـ ٣٣٧.
(٤) الأَْشْبَاهُ وَالنَّظَائِرُ لِلسُّيُوطِيِّ ص ٤٦٨.