للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لاَ يَصِحُّ الاِقْتِدَاءُ بِإِمَامٍ يَعْتَقِدُ الْمُقْتَدِي بُطْلاَنَ صَلاَتِهِ (١) .

وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ لاَ يَصِحُّ الاِقْتِدَاءُ بِكَافِرٍ وَلَوْ بِبِدْعَةٍ مُكَفِّرَةٍ وَلَوْ أَسَرَّهُ وَجَهِل الْمَأْمُومُ كُفْرَهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ. وَكَذَلِكَ مَنْ ظَنَّ كُفْرَهُ أَوْ حَدَثَهُ، وَلَوْ بَانَ خِلاَفُ ذَلِكَ فَيُعِيدُ الْمَأْمُومُ، لاِعْتِقَادِهِ بُطْلاَنَ صَلاَتِهِ. (٢)

لَكِنَّ الْمَالِكِيَّةُ قَالُوا: لَوْ عَلِمَ الْمُقْتَدِي بِحَدَثِ إِمَامِهِ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَلاَ بُطْلاَنَ. (٣) كَمَا أَنَّ الْحَنَابِلَةَ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يَعْلَمُهُ مُسْلِمًا، فَقَال بَعْدَ الصَّلاَةِ: هُوَ كَافِرٌ، لَمْ يُؤَثِّرْ فِي صَلاَةِ الْمَأْمُومِ لأَِنَّهَا كَانَتْ مَحْكُومًا بِصِحَّتِهَا. (٤)

وَأَمَّا الإِْمَامُ فَلَوْ أَخْطَأَ أَوْ نَسِيَ لَمْ يُؤَاخَذْ بِذَلِكَ الْمَأْمُومُ، كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: أَئِمَّتُكُمْ يُصَلُّونَ لَكُمْ وَلَهُمْ، فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ، وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ. فَجَعَل خَطَأَ الإِْمَامِ عَلَى نَفْسِهِ دُونَهُمْ، وَقَدْ صَلَّى عُمَرُ وَغَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَهُوَ جُنُبٌ نَاسِيًا لِلْجَنَابَةِ، فَأَعَادَ وَلَمْ يَأْمُرِ الْمَأْمُومِينَ بِالإِْعَادَةِ، وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ.

وَكَذَلِكَ لَوْ فَعَل الإِْمَامُ مَا يَسُوغُ عِنْدَهُ، وَهُوَ عِنْدَ الْمَأْمُومِ يُبْطِل الصَّلاَةَ، مِثْل أَنْ يَفْتَصِدَ وَيُصَلِّيَ وَلاَ يَتَوَضَّأَ، أَوْ يَمَسَّ ذَكَرَهُ، أَوْ يَتْرُكَ الْبَسْمَلَةَ، وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّ صَلاَتَهُ تَصِحُّ مَعَ ذَلِكَ، وَالْمَأْمُومُ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا لاَ تَصِحُّ مَعَ ذَلِكَ، فَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى صِحَّةِ


(١) مغني المحتاج ١ / ٢٣٧.
(٢) كشاف القناع ١ / ٤٧٥، ٤٧٦.
(٣) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ١ / ٣٢٧.
(٤) كشاف القناع ١ / ٤٧٥.