للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حُجِّيَّةُ الإِْقْرَارِ:

٩ - الإِْقْرَارُ خَبَرٌ، فَكَانَ مُحْتَمِلاً لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ بِاعْتِبَارِ ظَاهِرِهِ، وَلَكِنَّهُ جُعِل حُجَّةً لِظُهُورِ رُجْحَانِ جَانِبِ الصِّدْقِ فِيهِ، إِذِ الْمُقِرُّ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِيمَا يُقِرُّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ.

قَال ابْنُ الْقَيِّمِ: الْحُكْمُ بِالإِْقْرَارِ يَلْزَمُ قَبُولُهُ بِلاَ خِلاَفٍ. (١)

وَالأَْصْل أَنَّ الإِْقْرَارَ حُجَّةٌ بِنَفْسِهِ، وَلاَ يَحْتَاجُ لِثُبُوتِ الْحَقِّ بِهِ إِلَى الْقَضَاءِ، فَهُوَ أَقْوَى مَا يُحْكَمُ بِهِ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْبَيِّنَةِ. (٢) وَلِهَذَا يَبْدَأُ الْحَاكِمُ بِالسُّؤَال عَنْهُ قَبْل السُّؤَال عَنِ الشَّهَادَةِ. قَال الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: وَلِهَذَا لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ لِلْمُدَّعِي ثُمَّ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حُكِمَ بِالإِْقْرَارِ وَبَطَلَتِ الشَّهَادَةُ. (٣) وَلِذَا قِيل: إِنَّهُ سَيِّدُ الْحُجَجِ.

عَلَى أَنَّ حُجِّيَّتَهُ قَاصِرَةٌ عَلَى الْمُقِرِّ وَحْدَهُ لِقُصُورِ وِلاَيَةِ الْمُقِرِّ عَنْ غَيْرِهِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ. (٤) فَلاَ يَصِحُّ إِلْزَامُ أَحَدٍ بِعُقُوبَةٍ نَتِيجَةَ إِقْرَارِ آخَرَ بِأَنَّهُ شَارَكَهُ فِي جَرِيمَتِهِ. وَهَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فِي عَهْدِ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَال: إِنَّهُ قَدْ زَنَى بِامْرَأَةٍ - سَمَّاهَا - فَأَرْسَل النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَرْأَةِ فَدَعَاهَا فَسَأَلَهَا عَمَّا قَال، فَأَنْكَرَتْ فَحَدَّهُ وَتَرَكَهَا (٥) .


(١) الطرق الحكمية ص ١٩٤ وبداية المجتهد ٢ / ٣٩٣ ط الخانجي.
(٢) الطرق الحكمية ص ١٩٦.
(٣) حاشية الرملي الكبير على أسنى المطالب ٢ / ٢٨٨.
(٤) الهداية وتكملة الفتح ١ / ٢٨٢، وتبيين الحقائق ٥ / ٣
(٥) سبل السلام ٤ / ٦ الطبعة الثانية سنة ١٩٥٠، والهداية وتكملة الفتح ٦ / ٢٨٢. وحديث: " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم: فقال: إنه قد زنا بامرأة. . . " أخرجه أبو داود (٤ / ٦١١ - ط عزت عبيد دعاس) وذكره الشوكاني في النيل (٧ / ١٠٦ - ط العثمانية) وذكر أن النسائى استنكره، وذكر أن فيه من يتكلم فيه.