للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الإِْقْرَارِ، فَإِنَّ التَّقَادُمَ لاَ يُؤَثِّرُ عَلَيْهِ، وَيُحَدُّ بِإِقْرَارِهِ مَعَ التَّقَادُمِ إِلاَّ فِي حَدِّ الشُّرْبِ فَقَطْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، فَإِنَّ التَّقَادُمَ فِيهِ يُبْطِل الإِْقْرَارَ خِلاَفًا لِمُحَمَّدٍ.

٥٨ - أَمَّا حُقُوقُ الْعِبَادِ فَإِنَّ التَّقَادُمَ لاَ يُؤَثِّرُ فِيهَا، لاَ فِي الإِْقْرَارِ بِهَا وَلاَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا. (١) وَيَقُول ابْنُ قُدَامَةَ: إِنْ أَقَرَّ بِزِنًا قَدِيمٍ وَجَبَ الْحَدُّ، وَبِهَذَا قَال الْحَنَابِلَةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالأَْوْزَاعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ؛ لِعُمُومِ الآْيَةِ (٢) وَلأَِنَّهُ حَقٌّ يَثْبُتُ عَلَى الْفَوْرِ فَيَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ بَعْدَ تَطَاوُل الزَّمَانِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ. وَنُقِل عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَال: لاَ أَقْبَل بَيِّنَةً عَلَى زِنًا قَدِيمٍ وَأَحُدُّهُ بِالإِْقْرَارِ بِهِ، وَأَنَّهُ قَوْل ابْنِ حَامِدٍ، وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى مَذْهَبًا لأَِحْمَدَ (٣) .

الرُّجُوعُ عَنِ الإِْقْرَارِ:

٥٩ - الرُّجُوعُ قَدْ يَكُونُ صَرِيحًا كَأَنْ يَقُول: رَجَعْتُ عَنْ إِقْرَارِي، أَوْ كَذَبْتُ فِيهِ، أَوْ دَلاَلَةً كَأَنْ يَهْرُبَ عِنْدَ إِقَامَةِ الْحَدِّ، إِذِ الْهَرَبُ دَلِيل الرُّجُوعِ، فَإِنْ كَانَ بِحَقٍّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ الَّتِي تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ كَالزِّنَا، فَإِنَّ جُمْهُورَ الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةَ وَالْمَشْهُورَ عِنْدِ الْمَالِكِيَّةِ وَمَذْهَبَ كُلٍّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَلَى أَنَّ الرُّجُوعَ يُعْتَبَرُ، وَيَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْهُ، لأَِنَّهُ يَحْتَمِل أَنْ يَكُونَ صَادِقًا فِي الرُّجُوعِ وَهُوَ الإِْنْكَارُ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُونَ كَاذِبًا فِيهِ، فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فِي الإِْنْكَارِ يَكُونُ كَاذِبًا فِي


(١) الفتح ٨ / ١٦٣، والبحر الرائق ٥ / ٢١ - ٢٢.
(٢) وهي قوله تعالى: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة. . .) سورة النور / ٢.
(٣) المغني ٨ / ٢٠٧.