للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دِينَارًا، يَلْبَسُهُ فِي الشِّتَاءِ، فَإِذَا كَانَ الصَّيْفُ تَصَدَّقَ بِهِ، أَوْ بَاعَهُ فَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ، وَكَانَ يَلْبَسُ فِي الصَّيْفِ ثَوْبَيْنِ مِنْ مَتَاعِ مِصْرَ مُمَشَّقَيْنِ (أَيْ مَصْبُوغَيْنِ بِالْمِشَقِ وَهُوَ صِبْغٌ أَحْمَرُ) وَيَقْرَأُ قَوْله تَعَالَى: {قُل مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} (١) فَقَدْ دَلَّتْ عَلَى اسْتِحْبَابِ لِبَاسِ الرَّفِيعِ مِنَ الثِّيَابِ وَالتَّجَمُّل بِهَا فِي الْجُمَعِ وَالأَْعْيَادِ وَعِنْدَ لِقَاءِ النَّاسِ وَزِيَارَةِ الإِْخْوَانِ.

قَال أَبُو الْعَالِيَةِ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا تَزَاوَرُوا تَجَمَّلُوا. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ تُبَاعُ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ، لَوِ اشْتَرَيْتَهَا لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَلِلْوُفُودِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ، فَقَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذَا مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فِي الآْخِرَةِ (٢) فَمَا أَنْكَرَ ذِكْرَ التَّجَمُّل وَإِنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ كَوْنَهَا سِيَرَاءَ، (وَالسِّيَرَاءُ نَوْعٌ مِنَ الْبُرُودِ، فِيهِ خُطُوطٌ صُفْرٌ، أَوْ يُخَالِطُهُ حَرِيرٌ) .

وَقَال أَبُو الْفَرَجِ: كَانَ السَّلَفُ يَلْبَسُونَ الثِّيَابَ الْمُتَوَسِّطَةَ لاَ الْمُتَرَفِّعَةَ وَلاَ الدُّونَ، وَيَتَخَيَّرُونَ أَجْوَدَهَا لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَلِلِقَاءِ الإِْخْوَانِ، وَلَمْ يَكُنْ تَخَيُّرُ الأَْجْوَدِ عِنْدَهُمْ قَبِيحًا.

وَأَمَّا اللِّبَاسُ الَّذِي يُزْرِي بِصَاحِبِهِ - أَيْ وَهُوَ يَجِدُ غَيْرَهُ - فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ إِظْهَارَ الزُّهْدِ وَإِظْهَارَ الْفَقْرِ، وَكَأَنَّهُ لِسَانُ شَكْوَى مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيُوجِبُ احْتِقَارَ اللاَّبِسِ، وَكُل ذَلِكَ مَكْرُوهٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ.


(١) سورة الأعراف / ٣٢.
(٢) حديث عمر رضي الله عنه " رأى حلة سيراء. . . " أخرجه مسلم (٣ / ١٦٤٠ - ط الحلبي) .