للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ بَعْضَ هَؤُلاَءِ الْمُغَالِينَ يَقُول: إِنَّهُ يَكْفِي الشَّخْصَ لِيَكُونَ مُجْتَهِدًا أَنْ يَكُونَ لَدَيْهِ مُصْحَفٌ وَسُنَنُ أَبِي دَاوُدَ وَقَامُوسٌ لُغَوِيٌّ، فَيُصْبِحُ بِذَلِكَ مُجْتَهِدًا لاَ حَاجَةَ لَهُ إِلَى تَقْلِيدِ إِمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَوْ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِالْمُصْحَفِ وَبِسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالْقَامُوسِ لَكَانَ صَحَابَةُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ مُجْتَهِدِينَ؛ لأَِنَّهُمْ إِمَّا عَرَبٌ خُلَّصٌ، أَوْ نَشَأُوا فِي بِيئَةٍ عَرَبِيَّةٍ خَالِصَةٍ، وَشَاهَدُوا أَحْدَاثَ التَّنْزِيل، وَقَرِيبُو عَهْدٍ بِرَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَلِكَ الاِدِّعَاءُ يُكَذِّبُهُ الْوَاقِعُ. وَالْقَوْل بِأَنَّ تَقْلِيدَ الأَْئِمَّةِ فِي الأُْمُورِ الظَّنِّيَّةِ شِرْكٌ وَتَأْلِيهٌ لَهُمْ، قَوْلٌ لاَ أَصْل لَهُ، فَلَيْسَ هُنَاكَ أُمِّيٌّ - فَضْلاً عَنْ مُتَعَلِّمٍ - يَرَى أَنَّ لِلأَْئِمَّةِ حَقَّ التَّحْلِيل وَالتَّحْرِيمِ الَّذِي هُوَ حَقٌّ خَالِصٌ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، بَل كُل مَا يُعْتَقَدُ فِيهُمْ أَنَّ هَذَا الإِْمَامَ أَوْ ذَاكَ مَوْثُوقٌ بِعِلْمِهِ مَوْثُوقٌ بِدِينِهِ أَمِينٌ عَلَى دِينِ اللَّهِ غَيْرُ مُتَّهَمٍ. وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ أَكْثَرَ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَدَّعُونَ الاِجْتِهَادَ وَيَدْعُونَ إِلَيْهِ فِي هَذِهِ الأَْيَّامِ لاَ يُحْسِنُ أَحَدُهُمْ أَنْ يَقْرَأَ آيَةً صَحِيحَةً مِنْ الْمُصْحَفِ، فَضْلاً عَنْ أَنْ يَسْتَنْبِطَ مِنْهَا حُكْمًا شَرْعِيًّا، فَأَقَل مَا يَجِبُ أَنْ يَتَّصِفَ بِهِ الْمُجْتَهِدُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَمِّقًا فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، عَالِمًا بِالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ، وَالْعَامِّ وَالْخَاصِّ وَالْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَطَلَّبُ إِعْدَادًا خَاصًّا لاَ يَتَوَفَّرُ إِلاَّ لِلْقِلَّةِ الْقَلِيلَةِ الْمُتَفَرِّغَةِ.

٣٧ - وَبِهَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ لاَ بُدَّ أَنْ يَعْرِفَ الْمُسْلِمُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الضَّرُورِيِّ أَنْ يَلْتَزِمَ الشَّخْصُ مَذْهَبًا خَاصًّا فِي عِبَادَاتِهِ وَمُعَامَلاَتِهِ، بَل إِذَا نَزَلَتْ بِهِ نَازِلَةٌ أَوْ عَرَضَتْ لَهُ مُشْكِلَةٌ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَلْتَمِسَ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ مِنْ شَخْصٍ مَوْثُوقٍ بِعِلْمِهِ مَوْثُوقٍ بِدِينِهِ، يَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ قَلْبُهُ. وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمَسَائِل الْمَعْلُومَةِ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فَإِنَّهُ لاَ يُقْبَل فِيهَا قَوْلٌ لِقَائِلٍ غَيْرَ مَا عُرِفَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ. فَمَهْمَا أَفْتَى بَعْضُ النَّاسِ بِحِل الرِّبَا أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ، أَوْ تَرْكِ الصَّلاَةِ وَالاِسْتِعَاضَةِ عَنْهَا بِالصَّدَقَةِ مَثَلاً، فَلاَ يَقْبَل قَوْلَهُ، وَلاَ تَكُونُ فَتْوَى مِثْل هَؤُلاَءِ عُذْرًا يُعْتَذَرُ بِهِ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.