للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِلْحَرْبِيِّ؛ فَلأَِنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْمُحَرَّمَاتِ، قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} (١) ، وَآيَاتُ تَحْرِيمِ الرِّبَا، مِثْل قَوْله تَعَالَى: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} (٢) ، وَسَائِرُ الآْيَاتِ وَالأَْخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا، وَهِيَ عَامَّةٌ تَتَنَاوَل الرِّبَا فِي كُل مَكَانٍ وَزَمَانٍ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ، مُسْتَدِلِّينَ بِأَنَّ الْمُسْلِمَ يَحِل لَهُ أَخْذُ مَال الْحَرْبِيِّ مِنْ غَيْرِ خِيَانَةٍ وَلاَ غَدْرٍ؛ لأَِنَّ الْعِصْمَةَ مُنْتَفِيَةٌ عَنْ مَالِهِ، فَإِتْلاَفُهُ مُبَاحٌ، وَفِي عَقْدِ الرِّبَا وَنَحْوِهِ الْمُتَعَاقِدَانِ رَاضِيَانِ، فَلاَ غَدْرَ فِيهِ، وَالرِّبَا وَنَحْوُهُ كَإِتْلاَفِ الْمَال، وَهُوَ جَائِزٌ. قَال مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ: وَإِذَا دَخَل الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ، فَلاَ بَأْسَ بِأَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ أَمْوَالَهُمْ بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ؛ لأَِنَّهُ إِنَّمَا أَخَذَ الْمُبَاحَ عَلَى وَجْهٍ عَرَا عَنِ الْغَدْرِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ طَيِّبًا مِنْهُ.

وَأَمَّا خِيَانَةُ الْمُسْلِمِ الْمُسْتَأْمَنِ عِنْدَهُمْ فَمُحَرَّمَةٌ؛ لأَِنَّهُمْ إِنَّمَا أَعْطَوُا الأَْمَانَ لِلْمُسْلِمِ أَوِ الذِّمِّيِّ مَشْرُوطًا بِتَرْكِهِ خِيَانَتَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَذْكُورًا فِي اللَّفْظِ، فَهُوَ مَعْلُومٌ فِي الْمَعْنَى، وَلِذَلِكَ مَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ بِأَمَانٍ فَخَانَنَا، كَانَ نَاقِضًا لِعَهْدِهِ. وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا لَمْ تَحِل لِلْمُسْلِمِ خِيَانَةُ الْحَرْبِيِّينَ إِذَا دَخَل دَارَهُمْ بِأَمَانٍ؛ لأَِنَّهُ غَدْرٌ، وَلاَ يَصْلُحُ فِي دِينِنَا الْغَدْرُ، وَقَدْ قَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ (٣) فَإِنْ


(١) سورة النساء / ١٦١.
(٢) سورة البقرة / ٢٧٥.
(٣) حديث: " المسلمون عند شروطهم. . . . " أخرجه الترمذي (تحفة الأحوذي ٤ / ٥٨٥ ط السلفية) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وفي تصحيح الترمذي هذا الحديث نظر، فإن في إسناده كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف وهو ضعيف جدا. وله شاهد من حديث أبي هريرة عند أحمد (٢ / ٣٦٦) والحاكم (٢ / ٤٩) قال الشوكاني بعد أن ذكر طرق الحديث المختلفة: لا يخفى أن الأحاديث المذكورة والطرق يشهد بعضها لبعض، فأقل أحوالها أن يكون المتن الذي اجتمعت عليه حسنا (نيل الأوطار ٥ / ٣٧٨، ط دار الجيل) .