للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَنْ يَصِحُّ لَهُ عَقْدُ الذِّمَّةِ:

٨ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ عَقْدِ الذِّمَّةِ لأَِهْل الْكِتَابِ وَالْمَجُوسِ، كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ لِلْمُرْتَدِّ. أَمَّا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ فَقَدِ اخْتَلَفُوا:

فَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ: لاَ يَجُوزُ عَقْدُ الذِّمَّةِ لِغَيْرِ أَهْل الْكِتَابِ وَالْمَجُوسِ، بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (١) وَهَذَا عَامٌّ خُصَّ مِنْهُ أَهْل الْكِتَابِ بِآيَةِ الْجِزْيَةِ فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ، وَخُصَّ مِنْهُمُ الْمَجُوسُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْل الْكِتَابِ. . . (٢) فَمَنْ عَدَاهُمْ مِنَ الْكُفَّارِ يَبْقَى عَلَى بَقِيَّةِ الْعُمُومِ (٣) .

وَقَال الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ: يَجُوزُ عَقْدُ الذِّمَّةِ لِجَمِيعِ الْكُفَّارِ، إِلاَّ عَبَدَةَ الأَْوْثَانِ مِنَ الْعَرَبِ؛ لأَِنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ لِرَجَاءِ الإِْسْلاَمِ عَنْ طَرِيقِ الْمُخَالَطَةِ بِالْمُسْلِمِينَ وَالْوُقُوفِ عَلَى مَحَاسِنِ الدِّينِ، وَهَذَا لاَ يَحْصُل بِعَقْدِ الذِّمَّةِ مَعَ مُشْرِكِي الْعَرَبِ؛ لأَِنَّ الْقُرْآنَ نَزَل بِلُغَتِهِمْ، وَحَمَلُوا الرِّسَالَةَ، فَلَيْسَ لَهُمْ أَدْنَى شُبْهَةٍ فِي رَفْضِهِمُ الإِْيمَانَ بِاللَّهِ


(١) سورة التوبة / ٥.
(٢) حديث: " سنوا بهم سنة أهل الكتاب. . . . " الحديث بهذا اللفظ طرقه جميعها ضعيفة. انظر نصب الراية للزيلعي ٣ / ٤٤٨، نشر دار المأمون. بيروت سنة ١٣٥٧ هـ. ولكن لقصة الحديث شاهد في البخاري (فتح الباري ٦ / ٢٥٧ / ح ٣١٥٦) " أتانا كتاب عمر بن الخطاب قبل موته بسنة: فرقوا بين كل ذي محرم من المجوس. ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر ".
(٣) القليوبي ٤ / ٢٢٩، والمغني ٨ / ٤٩٦، ٥٠١، والأم ٤ / ٢٤٠، وأحكام القرآن لابن العربي ٢ / ٨٨٩.