للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كُفْرَ الْيَهُودِ أَغْلَظُ مِنْ كُفْرِ النَّصَارَى؛ لأَِنَّهُمْ يَجْحَدُونَ نُبُوَّةَ نَبِيِّنَا عَلَيْهِ السَّلَامُ وَنُبُوَّةَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَكُفْرُ النَّصَارَى أَخَفُّ لأَِنَّهُمْ يَجْحَدُونَ نُبُوَّةَ نَبِيٍّ وَاحِدٍ؛ وَلأَِنَّ الْيَهُودَ أَشَدُّ جَمِيعِ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، وَأَصْلَبُهُمْ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا النَّصَارَى فَهُمْ أَلْيَنُ عَرِيكَةً مِنَ الْيَهُودِ، وَأَقْرَبُ إِلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ (١) .

عَقْدُ الذِّمَّةِ لأَِهْل الْكِتَابِ:

٥ - يَجُوزُ لإِِمَامِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ نَائِبِهِ أَنْ يُبْرِمَ عَقْدَ الذِّمَّةِ مَعَ أَهْل الْكِتَابِ، عَلَى الْخِلاَفِ السَّابِقِ فِي الْمُرَادِ بِهِمْ، وَاخْتُلِفَ فِي غَيْرِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ، وَدَلِيل الاِتِّفَاقِ عَلَى جَوَازِ عَقْدِ الذِّمَّةِ لأَِهْل الْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآْخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (٢) . وَيَتَرَتَّبُ عَلَى الْعَقْدِ أَنْ يَلْتَزِمُوا أَحْكَامَ الإِْمَامِ، وَالْمُرَادُ بِالْتِزَامِ الأَْحْكَامِ: قَبُول مَا يَحْكُمُ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ أَدَاءِ حَقٍّ أَوْ تَرْكِ مُحَرَّمٍ، وَأَنْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ، وَالْمُرَادُ بِالإِْعْطَاءِ: الْتِزَامُهُ وَالإِْجَابَةُ إِلَى بَذْلِهِ، لاَ حَقِيقَةَ الإِْعْطَاءِ وَلاَ جَرَيَانَ الأَْحْكَامِ فِعْلاً، وَبِالْعَقْدِ تُعْصَمُ دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ؛ لأَِنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ كَالْخَلَفِ عَنِ الإِْسْلاَمِ فِي إِفَادَةِ الْعِصْمَةِ (٣) .

وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: إِذَا طَلَبَ أَهْل الْكِتَابِ


(١) المصادر السابقة، وفتح القدير للشوكاني ٢ / ٦٣، ٦٥.
(٢) سورة التوبة / ٢٩.
(٣) الكاساني ٧ / ١١١، والمغني ٨ / ٥٠٠، والخرشي ٣ / ١٤٣ - ١٤٤.