للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَوْله تَعَالَى: {وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ} (١) .

فَهَذَا مِنَ الْمُنَافِقِينَ حَلِفٌ عَلَى أَنَّهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُمْ كَاذِبُونَ فِيهِ، وَمَا حَمَلَهُمْ عَلَى الْكَذِبِ إِلاَّ أَنَّهُمْ يَخَافُونَ غَضَبَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ.

وَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ بِهَا مُتَعَمِّدًا صَدَّقَهَا، غَيْرَ أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي اعْتِقَادِهِ، لَمْ تَكُنْ غَمُوسًا وَلاَ صَادِقَةً، وَإِنَّمَا تَكُونُ (لَغْوًا) عَلَى بَعْضِ الأَْقْوَال.

وَمِنْ أَمْثِلَتِهَا أَنْ يَقُول إِنْسَانٌ: وَاللَّهِ إِنَّ الشَّمْسَ طَلَعَتْ، بِنَاءً عَلَى إِشَارَةِ السَّاعَةِ وَالتَّقْوِيمِ، ثُمَّ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَمْ تَكُنْ طَلَعَتْ، وَأَنَّهُ أَخْطَأَ النَّظَرَ، أَوْ كَانَ بِالسَّاعَةِ خَلَلٌ، أَوْ بِالتَّقْوِيمِ خَطَأٌ.

٤ - الْقِسْمُ الثَّانِي: الْيَمِينُ الْمُؤَكِّدَةُ لِلإِْنْشَاءِ.

وَالإِْنْشَاءُ إِمَّا حَثٌّ أَوْ مَنْعٌ، وَالْمَقْصُودُ بِالْحَثِّ: حَمْل الْحَالِفِ نَفْسَهُ أَوْ غَيْرَهُ عَلَى فِعْل شَيْءٍ فِي الْمُسْتَقْبَل.

وَالْمَقْصُودُ بِالْمَنْعِ: حَمْل الْحَالِفِ نَفْسَهُ أَوْ غَيْرَهُ عَلَى تَرْكِ شَيْءٍ فِي الْمُسْتَقْبَل.

مِثَال الْحَثِّ: وَاللَّهِ لأََفْعَلَنَّ كَذَا، أَوْ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا، أَوْ لَيَفْعَلَنَّ فُلاَنٌ كَذَا.

وَمِثَال الْمَنْعِ: وَاللَّهِ لاَ أَفْعَل كَذَا، أَوْ لاَ تَفْعَل كَذَا، أَوْ لاَ يَفْعَل فُلاَنٌ كَذَا (٢) .

وَهَذِهِ الْيَمِينُ تُسَمَّى (مُنْعَقِدَةً) أَوْ (مَعْقُودَةً) مَتَى تَمَّتْ شَرَائِطُهَا، وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا.

وَمِمَّا هُوَ جَدِيرٌ بِالْمُلاَحَظَةِ أَنَّ قَوْل الْقَائِل: لأََفْعَلَنَّ، أَوْ لاَ أَفْعَل يَدُل عَلَى حَثِّ نَفْسِهِ عَلَى الْفِعْل أَوِ التَّرْكِ حَقِيقَةً إِنْ كَانَ يَتَحَدَّثُ فِي خَلْوَةٍ، نَحْوَ: وَاللَّهِ لأََصُومَنَّ غَدًا، أَوْ لاَ أَشْرَبُ الْخَمْرَ، أَوْ


(١) سورة التوبة / ٥٦.
(٢) بضم اللام في الأفعال الثلاثة، لأن " لا " نافية وليست ناهية.