للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الآْلاَتِ وَالأَْسْبَابِ وَالْجَوَارِحِ وَالأَْعْضَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ هَذِهِ الاِسْتِطَاعَةُ فَلَمْ يَفْعَل حَنِثَ، وَإِلاَّ لَمْ يَحْنَثْ.

وَهَذَا لأَِنَّ لَفْظَ الاِسْتِطَاعَةِ يَحْتَمِل كُلًّا مِنَ الْمَعْنَيَيْنِ.

قَال اللَّهُ تَعَالَى فِي شَأْنِ الْمُشْرِكِينَ: {أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَْرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ} (١) وَقَال عَزَّ وَجَل حَاكِيًا خِطَابَ الْخِضْرِ لِمُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ {قَال إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} (٢) وَالْمُرَادُ فِي الآْيَتَيْنِ الاِسْتِطَاعَةُ الْمُقَارِنَةُ لِلْفِعْل، وَقَال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} (٣) وَقَال جَل شَأْنُهُ {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْل أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْل أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (٤) وَالْمُرَادُ بِالاِسْتِطَاعَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ سَلاَمَةُ الأَْسْبَابِ وَالآْلاَتِ.

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَجَبَ أَنْ يُحْمَل عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي - وَهُوَ سَلاَمَةُ الأَْسْبَابِ - لأَِنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي يُرَادُ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، فَيَنْصَرِفُ إِلَيْهِ اللَّفْظُ عِنْدَ الإِْطْلاَقِ. (٥)


(١) سورة هود / ٢٠.
(٢) سورة الكهف / ٦٧.
(٣) سورة آل عمران / ٩٧.
(٤) سورة المجادلة / ٣، ٤.
(٥) البدائع ٣ / ١٥، وحاشية ابن عابدين ٣ / ١٠٠.