للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ الدُّسُوقِيُّ أَنَّ الْبُكَاءَ بِصَوْتٍ، إِنْ كَانَ لِمُصِيبَةٍ أَوْ لِوَجَعٍ مِنْ غَيْرِ غَلَبَةٍ أَوْ لِخُشُوعٍ فَهُوَ حِينَئِذٍ كَالْكَلاَمِ، يُفَرَّقُ بَيْنَ عَمْدِهِ وَسَهْوِهِ، أَيْ فَالْعَمْدُ مُبْطِلٌ مُطْلَقًا، قَل أَوْ كَثُرَ، وَالسَّهْوُ يُبْطِل إِنْ كَانَ كَثِيرًا، وَيُسْجَدُ لَهُ إِنْ قَل (١) .

وَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، فَإِنَّ الْبُكَاءَ فِي الصَّلاَةِ عَلَى الْوَجْهِ الأَْصَحِّ إِنْ ظَهَرَ بِهِ حَرْفَانِ فَإِنَّهُ يُبْطِل الصَّلاَةَ؛ لِوُجُودِ مَا يُنَافِيهَا، حَتَّى وَإِنْ كَانَ الْبُكَاءُ مِنْ خَوْفِ الآْخِرَةِ. وَعَلَى مُقَابِل الأَْصَحِّ:

لاَ يُبْطِل لأَِنَّهُ لاَ يُسَمَّى كَلاَمًا فِي اللُّغَةِ، وَلاَ يُفْهَمُ مِنْهُ شَيْءٌ، فَكَانَ أَشْبَهَ بِالصَّوْتِ الْمُجَرَّدِ (٢) .

وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَإِنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّهُ إِنْ بَانَ حَرْفَانِ مِنْ بُكَاءٍ، أَوْ تَأَوُّهِ خَشْيَةٍ، أَوْ أَنِينٍ فِي الصَّلاَةِ لَمْ تَبْطُل؛ لأَِنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الذِّكْرِ، وَقِيل: إِنْ غَلَبَهُ وَإِلاَّ بَطَلَتْ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ خَشْيَةً؛ لأَِنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْهِجَاءِ، وَيَدُل بِنَفْسِهِ عَلَى الْمَعْنَى كَالْكَلاَمِ، قَال أَحْمَدُ فِي الأَْنِينِ: إِذَا كَانَ غَالِبًا أَكْرَهُهُ، أَيْ مِنْ وَجَعٍ، وَإِنِ اسْتَدْعَى الْبُكَاءَ فِيهَا كُرِهَ كَالضَّحِكِ وَإِلاَّ فَلاَ. (٣)


(١) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ١ / ٢٨٤ ـ ط دار الفكر.
(٢) نهاية المحتاج ٢ / ٣٤، وحاشية قليوبي وعميرة١ / ١٨٧، ومغني المحتاج ١ / ١٩٥.
(٣) الفروع ١ / ٣٧٠، ٣٧١.