للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَنْ يَقُول الرَّجُل لِلرَّجُل: بِعْنِي كَمَا تَبِيعُ النَّاسَ، فَهَذَا الْبَيْعُ صَحِيحٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَلَكِنْ إِنْ غَبَنَهُ بِمَا يَخْرُجُ عَنِ الْعَادَةِ فَلَهُ الْخِيَارُ.

١٥ - وَمِنْ صُوَرِهِ أَيْضًا: أَنْ يَبِيعَ شَخْصًا لاَ يُمَاكِسُ، أَوْ لاَ يُحْسِنُ الْمُمَاكَسَةَ، فَكَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ اسْتَرْسَل إِلَى الْبَائِعِ وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ، فَأَخَذَ مَا أَعْطَاهُ مِنْ غَيْرِ مُمَاكَسَةٍ، وَلاَ مَعْرِفَةٍ بِغَبْنِهِ.

وَبَيْعُ الْمُسْتَرْسِل بِهَذَا التَّعْرِيفِ يَنْعَقِدُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلْمُسْتَرْسِل فِيهِ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ - وَالشَّافِعِيَّةُ: إِلَى أَنَّهُ لاَ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارِ؛ لأَِنَّ نُقْصَانَ قِيمَةِ السِّلْعَةِ مَعَ سَلاَمَتِهَا لاَ يَمْنَعُ لُزُومَ الْعَقْدِ، وَمُجَرَّدُ كَوْنِهِ مَغْبُونًا لاَ يُثْبِتُ لَهُ خِيَارًا، لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْقَوْل الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَهُمْ، وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهُ إِذَا كَانَ الْغَبْنُ فَاحِشًا. وَفَسَّرَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِمَا لاَ يَدْخُل تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ؛ لأَِنَّ مَا لَمْ يَرِدِ الشَّرْعُ بِتَحْدِيدِهِ يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى الْعُرْفِ، وَفَسَّرَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ الْغَبْنَ الْفَاحِشَ بِأَنَّهُ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْوَصِيَّةِ: الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ (١)


(١) حديث: " الثلث، والثلث كثير ". أخرجه البخاري (الفتح ١٢ / ١٤ ط السلفية) .