للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جَاءَ فِي الْهِدَايَةِ: أَنَّ مَنِ اشْتَرَى سِلْعَةً بِخَمْسِمِائَةٍ، ثُمَّ بَاعَهَا وَأُخْرَى مَعَهَا بِخَمْسِمِائَةٍ مِنَ الْبَائِعِ قَبْل نَقْدِ الثَّمَنِ، فَالْبَيْعُ جَائِزٌ فِي الَّتِي لَمْ يَشْتَرِهَا مِنَ الْبَائِعِ، وَلاَ يَجُوزُ فِي الأُْخْرَى لأَِنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَجْعَل الثَّمَنَ بِمُقَابَلَةِ الَّتِي لَمْ يَشْتَرِهَا،

فَيَكُونَ مُشْتَرِيًا لِلأُْخْرَى بِأَقَل مِمَّا بَاعَ قَبْل نَقْدِ الثَّمَنِ، وَهُوَ فَاسِدٌ بِشُبْهَةِ الرِّبَا (١) .

أَمَّا إِذَا كَانَ الْفَسَادُ مُقَارِنًا لِلْعَقْدِ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، لأَِنَّهُمَا لاَ يُفَرِّقَانِ بَيْنَ الْفَسَادِ الطَّارِئِ وَالْفَسَادِ الْمُقَارِنِ.

وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: مَتَى فَسَدَ الْعَقْدُ فِي الْبَعْضِ بِمُفْسِدٍ مُقَارِنٍ يَفْسُدُ فِي الْكُل (٢) لأَِنَّهُ إِذَا كَانَ الْفَسَادُ مُقَارِنًا يَصِيرُ قَبُول الْعَقْدِ فِي الْفَاسِدِ شَرْطَ قَبُول الْعَقْدِ فِي الآْخَرِ، وَهَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ، فَيُؤَثِّرُ فِي الْكُل، وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْفَسَادِ الطَّارِئِ، فَاقْتَصَرَ الْفَسَادُ فِيهِ عَلَى قَدْرِ الْمُفْسِدِ.

وَعَلَى ذَلِكَ إِذَا اشْتَرَى دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ نَسِيئَةً، ثُمَّ نَقَدَ بَعْضَ الْعَشَرَةِ دُونَ الْبَعْضِ فِي الْمَجْلِسِ فَسَدَ الْكُل عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لأَِنَّ الْفَسَادَ مُقَارِنٌ لِلْعَقْدِ، فَيُؤَثِّرُ فِي فَسَادِ الْكُل. وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ بِقَدْرِ مَا قَبَضَ وَيَفْسُدُ فِي الْبَاقِي، بِنَاءً عَلَى اقْتِصَارِ الْفَسَادِ عَلَى قَدْرِ الْمُفْسِدِ (٣) .


(١) الفتح مع الهداية / ٧١ - ٧٣، وابن عابدين ٤ / ١١٦
(٢) ابن عابدين ٥ / ٦
(٣) البدائع ٥ / ٢١٧، ٢٥٠، ٢٥١، والفتح والعناية على الهداية ٦ / ٧٣