للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَبِي لُبَابَةَ حِينَ اسْتَشَارَهُ بَنُو قُرَيْظَةَ، فَأَمَرَّ أُصْبُعَهُ عَلَى حَلْقِهِ يُخْبِرُهُمْ أَنَّهُمْ لَوْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَهُمْ، وَفِيهِ نَزَل قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُول} . (١)

وَكَذَلِكَ لَوْ فَعَل هَذَا ذِمِّيٌّ فَإِنَّهُ يُوجَعُ عُقُوبَةً وَيُسْتَوْدَعُ السِّجْنَ، وَلاَ يَكُونُ هَذَا نَقْضًا مِنْهُ لِلْعَهْدِ، لأَِنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ مُسْلِمٌ لَمْ يَكُنْ بِهِ نَاقِضًا أَمَانَهُ، فَإِذَا فَعَلَهُ ذِمِّيٌّ لاَ يَكُونُ نَاقِضًا أَمَانَهُ أَيْضًا. أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ فَقَتَل وَأَخَذَ الْمَال لَمْ يَكُنْ بِهِ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ، وَإِنْ كَانَ قَطْعُ الطَّرِيقِ مُحَارَبَةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ بِالنَّصِّ فَهَذَا أَوْلَى. وَكَذَلِكَ لَوْ فَعَلَهُ مُسْتَأْمَنٌ فَإِنَّهُ لاَ يَصِيرُ نَاقِضًا لأَِمَانِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ، إِلاَّ أَنَّهُ يُوجَعُ عُقُوبَةً فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لأَِنَّهُ ارْتَكَبَ مَا لاَ يَحِل لَهُ وَقَصَدَ بِفِعْلِهِ إِلْحَاقَ الضَّرَرِ بِالْمُسْلِمِينَ.

فَإِنْ كَانَ حِينَ طَلَبَ الأَْمَانَ قَال لَهُ الْمُسْلِمُونَ: أَمَّنَّاكَ إِنْ لَمْ تَكُنْ عَيْنًا لِلْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، أَوْ أَمَّنَّاكَ عَلَى أَنَّكَ إِنْ أَخْبَرْتَ أَهْل الْحَرْبِ بِعَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ فَلاَ أَمَانَ لَكَ - وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا - فَلاَ بَأْسَ بِقَتْلِهِ؛ لأَِنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ يَكُونُ مَعْدُومًا قَبْل وُجُودِ الشَّرْطِ، فَقَدْ عُلِّقَ أَمَانُهُ هَاهُنَا بِشَرْطِ أَلاَّ يَكُونَ عَيْنًا، فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ عَيْنٌ كَانَ حَرْبِيًّا لاَ أَمَانَ لَهُ فَلاَ بَأْسَ بِقَتْلِهِ.


(١) سورة الأنفال / ٢٧.