للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْكُفَّارِ مِثْلَيِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَقَل يَحْرُمُ الْفِرَارُ وَالاِنْصِرَافُ إِلاَّ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ، فَيَجُوزُ لَهُ الاِنْصِرَافُ بِقَصْدِ التَّحَرُّفِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَْدْبَارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (١) .

وَالْمُتَحَرِّفُ هُوَ مَنْ يَنْصَرِفُ مِنْ جِهَةٍ إِلَى أُخْرَى حَسْبَمَا يَقْتَضِيهِ الْحَال، فَلَهُ أَنْ يَنْتَقِل مِنْ مَكَان ضَيِّقٍ إِلَى مَكَانٍ أَرْحَبَ مِنْهُ، لِيَتْبَعَهُ الْعَدُوُّ إِلَى مُتَّسَعٍ سَهْلٍ لِلْقِتَال، أَوْ مِنْ مَوْضِعٍ مَكْشُوفٍ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ غَيْرِ مَكْشُوفٍ لِيَكْمُنَ فِيهِ وَيَهْجُمَ، أَوْ عَنْ مَحَلِّهِ لأَِصْوَنَ مِنْهُ عَنْ نَحْوِ رِيحٍ أَوْ شَمْسٍ أَوْ عَطَشٍ، أَوْ يَفِرَّ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ لِتُنْتَقَضَ صُفُوفُهُمْ وَيَجِدَ فِيهِمْ فُرْصَةً، أَوْ لِيَسْتَنِدَ إِلَى جَبَلٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ أَهْل الْحَرْبِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَوْمًا فِي خُطْبَتِهِ إِذْ قَال: " يَا سَارِيَةَ بْنَ زُنَيْمٍ الْجَبَل "، وَكَانَ قَدْ بَعَثَ سَارِيَةَ إِلَى نَاحِيَةِ الْعِرَاقِ لِغَزْوِهِمْ، فَلَمَّا قَدِمَ ذَلِكَ الْجَيْشُ أَخْبَرُوا أَنَّهُمْ لاَقَوْا عَدُوَّهُمْ يَوْمَ جُمُعَةٍ، فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ، فَسَمِعُوا صَوْتَ عُمَرَ فَتَحَيَّزُوا إِلَى الْجَبَل، فَنَجَوْا مِنْ عَدُوِّهِمْ فَانْتَصَرُوا عَلَيْهِمْ.


(١) سورة الأنفال / ١٥، ١٦.