للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَيْضًا النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ (١) . وَرُوِيَ أَنَّ الْمِقْدَادَ قَال لِرَجُلَيْنِ فَعَلاَ ذَلِكَ: كِلاَكُمَا قَدْ أَذِنَ بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.

وَاسْتَدَل جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى بُطْلاَنِ ذَلِكَ بِشَيْئَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: تَسْمِيَةُ ابْنِ عُمَرَ إِيَّاهُ رِبَا، وَمِثْل ذَلِكَ لاَ يُقَال بِالرَّأْيِ وَأَسْمَاءُ الشَّرْعِ تَوْقِيفٌ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ إِنَّمَا كَانَ قَرْضًا مُؤَجَّلاً بِزِيَادَةٍ مَشْرُوطَةٍ، فَكَانَتِ الزِّيَادَةُ بَدَلاً مِنَ الأَْجَل، فَأَبْطَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَحَرَّمَهُ، وَقَال: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} (٢) وَقَال تَعَالَى: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} (٣) حَظَرَ أَنْ يُؤْخَذَ لِلأَْجَل عِوَضٌ. فَإِذَا كَانَتْ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ مُؤَجَّلَةٌ، فَوَضَعَ عَنْهُ عَلَى أَنْ يُعَجِّلَهُ، فَإِنَّمَا جَعَل الْحَطَّ مُقَابِل الأَْجَل، فَكَانَ هَذَا هُوَ مَعْنَى الرِّبَا الَّذِي نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى تَحْرِيمِهِ. وَلاَ خِلاَفَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ حَالَّةٌ، فَقَال لَهُ: أَجِّلْنِي وَأَزِيدُكَ فِيهَا مِائَةَ دِرْهَمٍ، لاَ يَجُوزُ؛ لأَِنَّ الْمِائَةَ عِوَضٌ مِنَ الأَْجَل، كَذَلِكَ الْحَطُّ فِي مَعْنَى الزِّيَادَةِ، إِذْ جَعَلَهُ عِوَضًا مِنَ الأَْجَل، وَهَذَا هُوَ الأَْصْل فِي امْتِنَاعِ جَوَازِ أَخْذِ الأَْبْدَال عَنِ الآْجَال (٤) . فَحُرْمَةُ رِبَا النَّسَاءِ لَيْسَتْ إِلاَّ لِشُبْهَةِ مُبَادَلَةِ الْمَال بِالأَْجَل وَإِذَا كَانَتْ شُبْهَةُ الرِّبَا مُوجِبَةً لِلْحُرْمَةِ


(١) أحكام القرآن للجصاص ١ / ٥٥٤، وراجع المدونة ٩ / ١٧٣، ومغني المحتاج٢ / ١٢٩ ط الحلبي. وكشاف القناع ٣ / ٣٤٢ ط الرياض.
(٢) سورة البقرة / ٢٧٩
(٣) سورة البقرة / ٢٧٨
(٤) أحكام القرآن للجصاص١ / ٥٥٤