للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَإِنِّي عَاقِلُهُ، فَمَنْ قُتِل لَهُ قَتِيلٌ بَعْدَ الْيَوْمِ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَقْتُلُوا، أَوْ يَأْخُذُوا الْعَقْل (١) .

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَوَقُّفِ تَخْيِيرِ وَلِيِّ الدَّمِ فِي أَخْذِ الدِّيَةِ عَلَى رِضَا الْجَانِي.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَعْفُوَ وَلِيُّ الدَّمِ إِلَى الدِّيَةِ إِلاَّ بِرِضَا الْجَانِي، وَأَنَّهُ لَيْسَ لِوَلِيِّ الدَّمِ جَبْرُ الْجَانِي عَلَى دَفْعِ الدِّيَةِ إِذَا سَلَّمَ نَفْسَهُ لِلْقِصَاصِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْظْهَرِ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمُعْتَمَدِ إِلَى أَنَّ مُوجِبَ الْقَتْل الْعَمْدِ هُوَ الْقَوَدُ، وَأَنَّ الدِّيَةَ بَدَلٌ عَنْهُ عِنْدَ سُقُوطِهِ. فَإِذَا عَفَا عَنِ الْقِصَاصِ وَاخْتَارَ الدِّيَةَ وَجَبَتْ دُونَ تَوَقُّفٍ عَلَى رِضَا الْجَانِي. وَهُوَ قَوْل أَشْهَبَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ. وَفِي قَوْلٍ آخَرَ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ مُوجِبَ الْقَتْل الْعَمْدِ هُوَ الْقِصَاصُ أَوِ الدِّيَةُ أَحَدُهُمَا لاَ بِعَيْنِهِ، وَيَتَخَيَّرُ وَلِيُّ الدَّمِ فِي تَعْيِينِ أَحَدِهِمَا. (٢)

٣٤ - أَمَّا دَلِيل الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ فَهُوَ مَا وَرَدَ مِنْ نُصُوصٍ تُوجِبُ الْقِصَاصَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ


(١) حديث: " إنكم يا معشر خزاعة. . . " أخرجه الترمذي (٣ / ٢١ - ط عيسى الحلبي) من حديث أبي شريح الكعبي وقال: حسن صحيح، وقال ابن حجر: أصله متفق عليه. (التلخيص الحبير ٤ / ٢١ - ط شركة الطباعة الفنية)
(٢) بدائع الصنائع ٧ / ٢٤١، وحاشية الدسوقي ٤ / ٢٤٠، وروضة الطالبين ٩ / ٢٣٩، وكشاف القناع ٥ / ٥٤٣