للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِلْخِلاَفَةِ وَعَلاَمَةٌ عَلَى الْوِرَاثَةِ، وَقَدْ قَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ تَرَكَ حَقًّا أَوْ مَالاً فَلِوَرَثَتِهِ (١) ، فَعَلَى هَذَا يَبْقَى الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ كَمَا كَانَ، وَيَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ مَالِهِ كَتَعَلُّقِ حُقُوقِ الْغُرَمَاءِ بِمَال الْمُفْلِسِ عِنْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَحَبَّ الْوَرَثَةُ أَدَاءَ الدَّيْنِ وَالْتِزَامَهُ لِلْغَرِيمِ وَيَتَصَرَّفُونَ فِي الْمَال لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَلِكَ إِلاَّ أَنْ يَرْضَى الْغَرِيمُ، أَوْ يُوَثِّقُوا الْحَقَّ بِضَمِينٍ مَلِيءٍ أَوْ رَهْنٍ يَثِقُ بِهِ لِوَفَاءِ حَقِّهِ، فَأَنَّهُمْ قَدْ لاَ يَكُونُونَ أَمْلِيَاءَ وَلَمْ يَرْضَ بِهِمُ الْغَرِيمُ، فَيُؤَدِّي إِلَى فَوَاتِ الْحَقِّ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: أَنَّ الْحَقَّ يَنْتَقِل إِلَى ذِمَمِ الْوَرَثَةِ بِمَوْتِ مُوَرِّثِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَرِطَ الْتِزَامَهُمْ لَهُ. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَ الإِْنْسَانَ دَيْنٌ لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَلَمْ يَتَعَاطَ سَبَبَهُ، وَلَوْ لَزِمَهُمْ ذَلِكَ لِمَوْتِ مُوَرِّثِهِمْ لَلَزِمَهُمْ وَإِنْ لَمْ يُخَلِّفْ وَفَاءً (٢) .

٢٥ - وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَيِّ الدَّيْنَيْنِ يُؤَدَّى أَوَّلاً إِذَا ضَاقَتِ التَّرِكَةُ عَنْهُمَا. فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى: أَنَّ دُيُونَ اللَّهِ تَعَالَى تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ إِلاَّ إِذَا أَوْصَى بِهَا كَمَا سَيَأْتِي.


(١) رواه البخاري (الفتح ١٢ / ٩ - ط السلفية) من حديث أبي هريرة: " من ترك مالا فلورثته " وقال ابن حجر في التلخيص (٣ / ٥٦ - ط شركة الطباعة الفنية) . أورده الشافعي بلفظ: " من ترك حقا " ولم أره. انتهى كلام ابن حجر.
(٢) بداية المجتهد ٢ / ٢٨٢، والمهذب ١ / ٣٢٧، والمغني ٤ / ٤٨٢ - ٤٨٣ ط الرياض، وكشاف القناع ٣ / ٤٨٣، وفتح القدير ٦ / ٢٤٤، وابن عابدين ٥ / ٤٦٣، ٤٨٣.