للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دَيْنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَجِبُ أَدَاؤُهُ مِنَ التَّرِكَةِ، سَوَاءٌ أَوْصَى بِهِ أَمْ لاَ، عَلَى خِلاَفٍ سَبَقَ فِي تَقْدِيمِهِ عَلَى دَيْنِ الآْدَمِيِّ. وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ دَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لاَ يَجِبُ أَدَاؤُهُ مِنَ التَّرِكَةِ إِلاَّ إِذَا أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ، فَإِنْ أَوْصَى بِهِ فَيَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ التَّرِكَةِ.

قَال الْفَنَارِيُّ فِي تَوْجِيهِ ذَلِكَ: إِنَّ أَدَاءَ دَيْنِ اللَّهِ عِبَادَةٌ، وَمَعْنَى الْعِبَادَةِ لاَ يَتَحَقَّقُ إِلاَّ بِنِيَّةٍ وَفِعْلٍ مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، كَمَا فِي الإِْيصَاءِ لِتَحَقُّقِ أَدَائِهَا مُخْتَارًا، فَيَظْهَرُ اخْتِيَارُهُ الطَّاعَةَ مِنِ اخْتِيَارِهِ الْمَعْصِيَةِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ التَّكْلِيفِ، وَفِعْل الْوَارِثِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِ الْمُبْتَلَى بِالأَْمْرِ وَالنَّهْيِ لاَ يُحَقِّقُ اخْتِيَارَهُ، فَإِذَا مَاتَ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ وَلاَ أَمْرٍ بِهِ فَقَدْ تَحَقَّقَ عِصْيَانُهُ؛ لِخُرُوجِهِ مِنْ دَارِ التَّكْلِيفِ وَلَمْ يَمْتَثِل، وَذَلِكَ تَقْرِيرٌ عَلَيْهِ مُوجِبُ الْعِصْيَانِ، فَلَيْسَ فِعْل الْوَارِثِ الْفِعْل الْمَأْمُورَ بِهِ، فَلاَ يَسْقُطُ بِهِ الْوَاجِبُ، كَمَا لَوْ تَبَرَّعَ بِهِ فِي حَال حَيَاتِهِ، بِخِلاَفِ حُقُوقِ الْعِبَادِ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا وُصُولُهَا إِلَى مُسْتَحِقِّيهَا لاَ غَيْرُ، وَلِهَذَا لَوْ ظَفِرَ بِهِ الْغَرِيمُ يَأْخُذُهُ، وَيَبْرَأُ مَنْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ. ثُمَّ الإِْيصَاءُ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى تَبَرُّعٌ؛ لأَِنَّ الْوَاجِبَ فِي ذِمَّةِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ فِعْلٌ لاَ مَالٌ، وَالأَْفْعَال تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ، وَلاَ يَتَعَلَّقُ اسْتِيفَاؤُهَا بِالتَّرِكَةِ؛ لأَِنَّ التَّرِكَةَ مَالٌ يَصْلُحُ لاِسْتِيفَاءِ الْمَال مِنْهَا لاَ لاِسْتِيفَاءِ الْفِعْل. أَلاَ يُرَى أَنَّهُ إِذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ لاَ يُسْتَوْفَى مِنْ تَرِكَتِهِ، فَصَارَتِ الْحُقُوقُ الْمَذْكُورَةُ