للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التَّعَارُضُ بَيْنَ التَّزْكِيَةِ وَالْجَرْحِ:

اخْتَلَفَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ فِي التَّعَارُضِ بَيْنَ التَّزْكِيَةِ وَالْجَرْحِ، فَقَدْ نَقَل مُعِينُ الْحُكَّامِ عَنِ الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ لَوْ عَدَّلَهُ وَاحِدٌ، وَجَرَّحَهُ آخَرُ، أَعَادَ الْمَسْأَلَةَ. وَهَذَا قَوْل مُحَمَّدٍ. لأَِنَّ الْعَدَالَةَ وَالْجَرْحَ لاَ يَثْبُتُ عِنْدَهُ بِقَوْل الْوَاحِدِ فَصَارَا مُتَسَاوِيَيْنِ.

وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ: الْجَرْحُ أَوْلَى، لأَِنَّ الْجَرْحَ وَالتَّعْدِيل يَثْبُتُ بِقَوْل الْوَاحِدِ عِنْدَهُمَا، وَتَرَجَّحَ الْجَرْحُ عَلَى التَّعْدِيل؛ لأَِنَّ الْجَارِحَ فِي الْجَرْحِ اعْتَمَدَ عَلَى الدَّلِيل، وَهُوَ الْعِيَانُ وَالْمُشَاهَدَةُ، فَإِنَّ سَبَبَ الْجَرْحِ ارْتِكَابُ الْكَبِيرَةِ.

وَلَوْ جَرَّحَهُ وَاحِدٌ وَعَدَّلَهُ اثْنَانِ، فَالتَّعْدِيل أَوْلَى. وَلَوْ عَدَّلَهُ جَمَاعَةٌ وَجَرَّحَهُ اثْنَانِ فَالْجَرْحُ أَوْلَى؛ لأَِنَّهُ لاَ يَثْبُتُ التَّرْجِيحُ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ عَلَى الاِثْنَيْنِ. (١)

٨ - وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لَوْ عَدَّل شَاهِدَانِ رَجُلاً وَجَرَّحَهُ آخَرَانِ، فَفِي ذَلِكَ قَوْلاَنِ.

قِيل: يُقْضَى بِأَعْدَلِهِمَا؛ لاِسْتِحَالَةِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا.

وَقِيل: يُقْضَى بِشُهُودِ الْجَرْحِ، لأَِنَّهُمْ زَادُوا عَلَى شُهُودِ التَّعْدِيل، إِذِ الْجَرْحُ مِمَّا يَبْطُنُ فَلاَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ كُل النَّاسِ، بِخِلاَفِ الْعَدَالَةِ. وَلِلَّخْمِيِّ تَفْصِيلٌ، قَال:


(١) معين الحكام / ١٠٧.