للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذَلِكَ مِمَّا اسْتَثْنَاهُ الْعُلَمَاءُ مِنْ قَضِيَّةِ التَّحْرِيمِ - مِنْ أَجْل ذَلِكَ ذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِِلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالتَّعْلِيل بِهَذِهِ الْعِلَّةِ مِنْ صُنْعِ الصُّورَةِ مُتَحَدِّيًا قُدْرَةَ الْخَالِقِ عَزَّ وَجَل، وَرَأَى أَنَّهُ قَادِرٌ أَنْ يَخْلُقَ كَخَلْقِهِ، فَيُرِيَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَجْزَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بِأَنْ يُكَلِّفَهُ أَنْ يَنْفُخَ الرُّوحَ فِي تِلْكَ الصُّوَرِ.

قَال النَّوَوِيُّ: أَمَّا رِوَايَةُ أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ فَعَل الصُّورَةَ لِتُعْبَدَ، وَقِيل: هِيَ فِيمَنْ قَصَدَ الْمَعْنَى الَّذِي فِي الْحَدِيثِ مِنْ مُضَاهَاةِ خَلْقِ اللَّهِ، وَاعْتَقَدَ ذَلِكَ، فَهَذَا كَافِرٌ لَهُ مِنْ أَشَدِّ الْعَذَابِ مَا لِلْكُفَّارِ، وَيَزِيدُ عَذَابُهُ بِزِيَادَةِ كُفْرِهِ ". (١)

وَيَتَأَيَّدُ التَّعْلِيل بِهَذَا بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَال شَبِيهًا بِذَلِكَ فِي حَقِّ مَنِ ادَّعَى أَنَّهُ يُنَزِّل مِثْل مَا أَنْزَل اللَّهُ، وَأَنَّهُ لاَ أَحَدَ أَظْلَم مِنْهُ، فَقَال تَعَالَى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَال أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَال سَأُنْزِل مِثْل مَا أَنْزَل اللَّهُ} (٢) فَهَذَا فِيمَنِ ادَّعَى مُسَاوَاةَ الْخَالِقِ فِي أَمْرِهِ وَوَحْيِهِ، وَالأَْوَّل فِيمَنِ ادَّعَى مُسَاوَاتَهُ فِي خَلْقِهِ، وَكِلاَهُمَا مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا.


(١) شرح النووي على صحيح مسلم (كتاب اللباس) ١١ / ٩١.
(٢) سورة الأنعام / ٩٣.