للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَأْمَنُ النَّاسُ فِيهَا وَبِهَا. وَقَال الْقُرْطُبِيُّ: عَظَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي قُلُوبِهِمُ الْبَيْتَ الْحَرَامَ، وَأَوْقَعَ فِي نُفُوسِهِمْ هَيْبَتَهُ، وَعَظَّمَ بَيْنَهُمْ حُرْمَتَهُ، فَكَانَ مَنْ لَجَأَ إِلَيْهِ مَعْصُومًا بِهِ، وَكَانَ مَنِ اضْطُهِدَ مَحْمِيًّا بِالْكَوْنِ فِيهِ. وَكَذَلِكَ الأَْشْهُرُ الْحُرُمُ. ثُمَّ قَال: وَشَرَعَ عَلَى أَلْسِنَةِ الرُّسُل الْكِرَامِ الْهَدْيَ وَالْقَلاَئِدَ، فَكَانُوا إِذَا أَخَذُوا بَعِيرًا أَشْعَرُوهُ دَمًا أَوْ عَلَّقُوا عَلَيْهِ نَعْلاً، أَوْ فَعَل الرَّجُل ذَلِكَ بِنَفْسِهِ مِنَ التَّقْلِيدِ، لَمْ يُرَوِّعْهُ أَحَدٌ حَيْثُ لَقِيَهُ، وَكَانَ الْفَيْصَل بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ طَلَبَهُ وَظَلَمَهُ، حَتَّى جَاءَ اللَّهُ بِالإِْسْلاَمِ (١) . وَيُذْكَرُ مِنْ حِكْمَةِ تَقْلِيدِ الْهَدْيِ أَيْضًا أَنْ يَعْلَمَ الْمَسَاكِينُ بِالْهَدْيِ، فَيَجْتَمِعُوا لَهُ، وَإِذَا عَطِبَتِ الْهَدِيَّةُ الَّتِي سِيقَتْ إِلَى الْبَيْتِ تُنْحَرُ، ثُمَّ تُلْقَى قِلاَدَتُهَا فِي دَمِهَا كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ دَالًّا عَلَى كَوْنِهَا هَدْيًا يُبَاحُ أَكْلُهُ لِمَنْ شَاءَ (٢) .

حُكْمُ تَقْلِيدِ الْهَدْيِ:

٤ - تَقْلِيدُ الْهَدْيِ كَانَ مُتَّبَعًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. قَال الْقُرْطُبِيُّ: وَهِيَ سُنَّةٌ إِبْرَاهِيمِيَّةٌ بَقِيَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَقَرَّهَا الإِْسْلاَمُ. وَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي، وَقَلَّدْتُ هَدْيِي، فَلاَ أَحِل حَتَّى أَنْحَرَ (٣)


(١) تفسير القرطبي ٦ / ٤٠.
(٢) الشرح الكبير للدسوقي ٢ / ٨٩، ٩٠القاهرة، مطبعة عيسى الحلبي.
(٣) حديث: " إن لبدت رأسي وقلدت هديي فلا. . " أخرجه البخاري (الفتح ٣ / ٤٢٢ ط السلفية) ، ومسلم (٢ / ٩٠٢ ط الحلبي) . من حديث حفصة رضي الله عنها.