للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدُّورِ وَالأَْرَاضِي الْمَمْلُوكَةِ، وَتَعَلُّقِ حَقِّ النَّاسِ بِهَا. فَقِيل بِأَنَّ لِلنَّاسِ حَقًّا فِيهَا. وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِذَا لَمْ يُوجَدْ مَاءٌ قَرِيبٌ فِي غَيْرِ مِلْكِ أَحَدٍ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَفِضْ عَنْ حَاجَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَيَّدَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ ذَلِكَ بِمَا إِذَا كَانَ يَفِيضُ عَنْ حَاجَتِهِ (١) . وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ؛ لأَِنَّ الْبِئْرَ مَا وُضِعَ لِلإِْحْرَازِ، وَلأَِنَّ فِي بَقَاءِ حَقِّ الشَّفَةِ ضَرُورَةً، وَلأَِنَّ الْبِئْرَ تَتْبَعُ الأَْرْضَ دُونَ الْمَاءِ، وَلِخَبَرِ: النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلاَثٍ: الْمَاءِ وَالْكَلإَِ وَالنَّارِ. (٢) وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ إِذَا كَانَ حَفْرُ الْبِئْرِ بِقَصْدِ الاِنْتِفَاعِ بِالْمَاءِ، أَوْ حُفِرَ بِقَصْدِ التَّمَلُّكِ، وَهُوَ غَيْرُ الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي غَيْرِ آبَارِ الدُّورِ وَالْحَوَائِطِ الْمُسَوَّرَةِ. وَقَيَّدَ ذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ بِمَا إِذَا كَانَتِ الْبِئْرُ فِي أَرْضٍ لاَ يَضُرُّهَا الدُّخُول فِيهَا. (٣)

الاِتِّجَاهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لاَ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ أَحَدٍ، وَمِلْكِيَّتُهُ خَالِصَةٌ لِصَاحِبِهِ. وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لآِبَارِ الدُّورِ وَالْحَوَائِطِ الْمُسَوَّرَةِ، وَالْقَوْل الْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهَا مِنَ الآْبَارِ الْخَاصَّةِ فِي الأَْرَاضِيِ الْمَمْلُوكَةِ، وَالأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِذَا كَانَ يَمْلِكُ الْمَنْبَعَ، أَوْ كَانَ حَفَرَهَا بِقَصْدِ التَّمَلُّكِ. فَلِصَاحِبِ الْبِئْرِ عَلَى هَذَا أَنْ يَمْنَعَ الْغَيْرَ مِنْ حَقِّ الشَّفَةِ أَيْضًا، وَأَنْ يَبِيعَ الْمَاءَ؛ لأَِنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُحْرَزِ. وَيُقَيَّدُ الْمَنْعُ بِغَيْرِ مَنْ خِيفَ عَلَيْهِ الْهَلاَكُ؛ لأَِنَّهَا حَالَةُ ضَرُورَةٍ. (٤) وَفِي


(١) الفتاوى الهندية ٥ / ٣٩١، وتبيين الحقائق ٦ / ٤٠
(٢) حديث: " الناس شركاء. . . " سبق تخريجه.
(٣) تبيين الحقائق ٦ / ٤٠، وحاشية الدسوقي ٤ / ٧٢ ط الحلبي، والوجيز للغزالي ١ / ٢٤٤، ومغني المحتاج ٢ / ٣٧٤، ٣٧٥، والمغني المطبوع مع الشرح الكبير ٦ / ١٧٦ - ١٨٢، وكشاف القناع ٣ / ٢٢٥ و ٤ / ١٦٠
(٤) المراجع السابقة.