للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَحَدِيثُ تَعْذِيبِ الْمَيِّتِ [بِبُكَاءِ] الْحَيِّ١ ظَاهِرُ حَمْلِهِ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي تَحْرِيضِ الْمَرِيضِ -إِذَا ظَنَّ الْمَوْتَ- أَهْلَهُ عَلَى الْبُكَاءِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا " مَنْ سَنَّ سُنَّةً...." ٢، وَحَدِيثُ ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ٣ وَحَدِيثُ انْقِطَاعِ الْعَمَلِ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ٤، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْجَزَاءَ فِيهَا رَاجِعٌ إِلَى عَمَلِ الْمَأْجُورِ أَوِ الْمَوْزُورِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي تَسَبَّبَ فِيهِ أَوَّلًا، فَعَلَى جَرَيَانِ سَبَبِهِ تَجْرِي الْمُسَبِّبَاتُ، وَالْكِفْلُ الرَّاجِعُ إِلَى الْمُتَسَبِّبِ "الْأَوَّلِ" نَاشِئٌ عَنْ عَمَلِهِ، لَا عَنْ عَمَلِ الْمُتَسَبِّبِ الثَّانِي، وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى يَرْجِعُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ} الآية [الطور: ٢١] ؛ لِأَنَّ وَلَدَهُ كَسْبٌ مَنْ كَسْبِهِ، فَمَا جَرَى عَلَيْهِ مِنْ خَيْرٍ فَكَأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى الْأَبِ، وَبِذَلِكَ فُسِّرَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَب} [الْمَسَدِ: ٢] أَنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ، فَلَا غَرَوَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى مَنْزِلَتِهِ وَتَقَرَّ عَيْنُهُ بِهِ٥، كَمَا تَقَرُّ عَيْنُهُ بِسَائِرِ أَعْمَالِهِ الصَّالِحَةِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْء} [الطُّورِ: ٢١] .

وَإِنَّمَا يَشْكُلُ مِنْ كُلِّ مَا أَوْرَدَ مَا بَقِيَ مِنَ الْأَحَادِيثِ، فَإِنَّهَا كَالنَّصِّ فِي مُعَارَضَةِ الْقَاعِدَةِ الْمُسْتَدَلِّ عَلَيْهَا، وَبِسَبَبِهَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِيمَا نَصَّ فِيهَا خَاصَّةً -وَذَلِكَ الصِّيَامُ وَالْحَجُّ- وَأَمَّا النَّذْرُ، فَإِنَّمَا كَانَ صِيَامًا فَيَرْجِعُ إِلَى الصِّيَامِ.

وَالَّذِي يُجَابُ بِهِ فِيهَا أُمُورٌ:

أَحَدُهَا:

أَنَّ الْأَحَادِيثَ فِيهَا مضطربة، نبه البخاري ومسلم على


١ انظر الحديث الوارد في ذلك "ص٣٨٥" وما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
٢ انظر الحديث الوارد في ذلك "ص٣٨٥".
٣ انظر الحديث الوارد في ذلك "ص٣٨٦".
٤ أخرجه البخاري في "الصحيح" "كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان..... / رقم ٣٦٣١" وغيره عن أبي هريرة.
٥ لكن يبقى التوفيق بينه وبين آية: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} فإن الذرية حازت منزلة عالية لم تستحقها بسعيها وإنما جاءت بسعي الآباء. "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>